كان يتقبل بالارتياح نظم الانتخاب التي تعطي المسلمين ضمانهم في المجالس النيابية ودواوين الحكومة، وكان يتقبل بالارتياح ما هو أكبر من ذلك وأدعى إلى التوفيق بين الأكثرية والأقلية من أبناء البلاد الهندية جمعاء، وذلك هو النظام الاتحادي «الفدرالي» إذا لم يكن منه بد في عهد الحكومة الوطنية.
وقد كانت هذه السياسة التي انتهجها الزعيم البرهمي النبيل من إملاء الواقع، كما كانت من إملاء سماحته وحكمته وبعد نظره.
كانت من إملاء الواقع؛ لأن الشقاق على السلطان عبث وهو محصور في أيدي القوة الأجنبية، وكان من الحماقة أن يتقاتل البرهميون والمسلمين على سلطان لم تنزل عنه بريطانيا العظمى، ولم يكن ظاهرا في السنوات الأولى من القرن العشرين أنها تنوي النزول عنه في وقت قريب.
فانتهج جوكهيل خطة التوفيق؛ لأنها أسمح الخطط وأحكمها وأوفقها لسياسة الواقع، ومضى على هذه الخطة في خلال زعامته التي انتهت بوفاته قبل نهاية الحرب العالمية، فكانت هذه الكارثة ضربة قاصمة لسياسة الوحدة وتضافر الجهود القومية.
وقد تتلمذ جناح على جوكهيل وأعجب به، وحافظ على الولاء له وإقناع المسلمين بمجاراته في ولائه، فلما قضى الرجل (في شهر فبراير سنة 1915) بدأ الانحراف في دوائر المؤتمر عن ذلك النهج القويم، وأخذت الشكوك والظنون تساور تلميذه الكبير وتقنعه بضرورة العزلة التي كان يجاهد عقله ونفسه على رفض الاقتناع بها غاية جهده.
ولكنه لم يعجل ولم ييأس، ولم يكن من دأبه أن يتراجع سريعا عن رأي آمن به وثابر زمنا على تنفيذه، فحاول بعد سنة من وفاة جوكهيل أن يقرب بين العصبة والمؤتمر، وأسندت إليه رئاسة مجلس العصبة في سنة 1916 فتعمد أن يعقده في مدينة «لكناو» حيث انعقدت جلسة المؤتمر الكبرى في تلك السنة.
وقد واصل سعيه حتى اتفقت العصبة والمؤتمر على المسائل المختلف عليها جميعا، وخرجت الهيئتان بالميثاق المشترك بينهما، فأطلق الفريقان على جناح لقب «سفير الوحدة»، واشتهر بين البرهميين والإنجليز باسم رسول السلام.
إن المساجلات التي دارت بين الفريقين بعد ميثاق «لكناو» تملأ المجلدات الضخام، وتضل القارئ في تيه من المتناقضات والتهم والردود لا يسعنا في هذه الرسالة أن نستقصيها أو نلخصها، وليست بنا حاجة إلى استقصاء لها أو تلخيص، ولكننا نحيط بها جميعا إذا رجعنا إلى سياسة الواقع في عهد جوكهيل، وسياسة الواقع في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.
لقد أسلفنا أن سياسة الواقع في عهد جوكهيل كانت تهديه إلى قبول الضمانات المطلوبة للمسلمين؛ لأن الخلاف عليها عبث مع استئثار الدولة البريطانية بالسلطان واجتماع أزمة الحكم كلها في يديها، سواء في الهند أو العاصمة البريطانية.
أما سياسة الواقع في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية فقد كانت على نقيض تلك السياسة.
صفحة غير معروفة