208

المحلى

محقق

عبدالغفار سليمان البنداري

الناشر

دار الفكر

مكان النشر

بيروت

وَالنِّسَاءِ إذَا لَامَسْنَ الرِّجَالَ، وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى امْرَأَةً مِنْ امْرَأَةٍ، وَلَا لَذَّةً مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ، فَتَخْصِيصُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ اللَّمْسَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْجِمَاعُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَخْصِيصٌ لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ ﷿ لِمَاسًا مِنْ لِمَاسٍ فَلَا يُبَيِّنُهُ. نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا.
قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى اللِّمَاسَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْجِمَاعُ بِحَدِيثٍ فِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُقَبِّلُ وَلَا يَتَوَضَّأُ» وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو رَوْقٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ اسْمُهُ عُرْوَةُ الْمُزَنِيّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَصْحَابٍ لَهُ لَمْ يُسَمِّهِمْ عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيِّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ مَنْسُوخٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَوَرَدَتْ الْآيَةُ بِشَرْعٍ زَائِدٍ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلَا تَخْصِيصُهُ.
وَذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «الْتَمَسْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي اللَّيْلِ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَوَقَعَتْ يَدَيْ عَلَى بَاطِنِ قَدَمِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَاصِدِ إلَى اللَّمْسِ، لَا عَلَى الْمَلْمُوسِ دُونَ أَنْ يَقْصِدَ هُوَ إلَى فِعْلِ الْمُلَامَسَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلَامِسْ، وَدَلِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ ﵇ كَانَ فِي صَلَاةٍ، وَقَدْ يَسْجُدُ

1 / 228