فلما سمع بنو شيبان قول شيخهم مرة، اهتزوا وعادت إليهم نفوسهم، وتصايحوا: «يا لبكر! قتل الطاغية!»
واندفع جساس عند ذلك إلى أبيه فعانقه وقبل يديه، وقال في خضوع وصوته يكاد يختنق من التأثر: «لا عدمتك ناصرا يا أبي!»
ثم أخذ رمحه وهزه فوق رأسه وجعل يرقص رقصة التحدي والاعتداد بالنفس، ويتغنى بأناشيد يدعو فيها قومه إلى حرب الطغاة.
وصاح مرة في قومه وقد تبدلت لهجته، فقال: «يا بني شيبان سأضرب بأطراف العوالي، وأنفي الذل عن قومي وشرفي، فما كانت بكر لترضى أن يخفر جوارها أو تستكين لطاغية يذلها.»
فقال أبو عامر: «يا بني شيبان، من يكون للحرب إذا لم تكونوا فرسانها؟»
فتصاعدت صيحات من القوم «سنسل السيوف وندفع الظلم! لقد هلك الطاغية! سندفع البغي، ونحمي قومنا من العار.»
واختلى مرة وأبو عامر ساعة، ثم بعثا الرسل إلى قومهم في شعاب الأودية بالاستعداد للرحيل؛ فقد علما أنه لم يكن لشيبان بعد مقام في جوار تغلب، وأنهم لا بد لهم من انتظار الغد وما يأتي به من الأحداث.
الفصل السابع
كان همام بن مرة مختليا بصديقه المهلهل عدي بن ربيعة كعادتهما يشربان الخمر عند ربوتهما المختارة في عزلة من قومهما، وجلسا يلعبان النرد وهما يرشفان الشراب، وانتهى الدست، وكان المهلهل غالبا، فمد يده إلى كأسه مرتاحا ورفعها، فنظر فيها إلى الخمر المصفاة وجعل يشمها في شغف، ثم رفعها إلى فمه وهو يضحك ضحكة ماجنة، وقال ناظرا إلى صاحبه: أبشري يا أرامل ربيعة! إنها جزور من خير مال همام بن مرة.
فرفع همام كأسه ليشرب منها، وقال وهو يجيب بضحكة مثل ضحكة صاحبه: ما كانت أموال همام بن مرة لتباح إلا للأرامل.
صفحة غير معروفة