إذا شعر الإنسان بكل هذه الأمور، بلغ منتصف طريق الكمال، أما إذا شاء بلوغ محجة الكمال فعليه إن شعر بكيانه، أن يشعر بأنه الطفل المتكل على أمه، والشيخ المسئول عن عياله، والشاب الضائع بين أمانيه وغرامه، والكهل الذي يصارع ماضيه ومستقبله، والعابد في صومعته، والمجرم في سجنه، والعالم بين كتبه وأوراقه، والجاهل بين ظلمة ليله وظلمة نهاره، والراهبة بين أزهار إيمانها وأشواك وحشتها، والمومس بين أنياب ضعفها ومخالب حاجتها، والفقير بين مرارته وامتثاله، والغني بين مطامعه وادعائه، والشاعر بين ضباب أمسائه وشعاع أسحاره.
إذا استطاع الإنسان أن يختبر ويعلم جميع هذه الأمور، يصل إلى الكمال، ويصير ظلا من ظلال الله.
المعرفة ونصف المعرفة
جلست أربع ضفادع على قرمة حطب عائمة على حافة نهر كبير، فجاءت موجة هوجاء، واختطفت القرمة إلى وسط النهر، فحملتها المياه، وسارت بها ببطء مع مجرى النهر، فرقصت الضفادع فرحا بهذه السياحة اللطيفة فوق المياه؛ لأنه لم يسبق لهن أن أبحرن من ذي قبل.
وبعد هنيهة، صرخت الضفدعة الأولى قائلة: «يا لها من قرمة عجيبة غريبة! تأملن أيتها الرفيقات كيف تسير مثل سائر الأحياء، والله إنني لم أسمع قط بمثلها!»
فأجابتها الضفدعة الثانية وقالت: «إن هذه القرمة لا تمشي ولا تتحرك أيتها الصديقة، وهي ليست عجيبة غريبة كما توهمت، ولكن مياه النهر المنحدرة بطبيعتها إلى البحر تحمل هذه القرمة معها، وتحملنا نحن أيضا بانحدارها!»
فقالت الضفدعة الثالثة: «لا لعمري! لقد أخطأتما أيتها الرفيقتان في خيالكما الغريب، فإن القرمة لا تتحرك والنهر أيضا لا يتحرك مثلها، وإنما الحقيقة أن فكرنا هو المتحرك فينا، وهو الذي يقودنا إلى الاعتقاد بحركة الأجسام الجامدة.»
القديس
زرت في حداثتي قديسا في صومعته الهادئة، القائمة بين التلال، وبينا كنا نبحث ماهية الفضيلة، أطل علينا لص وهو يتعرج على الجانبين فوق الروابي، والتعب قد أعياه، وعندما وصل إلى الصومعة جثا على ركبتيه أمام القديس، وقال له: «أيها القديس الشفيق، قد جئتك طالبا تعزية، فإن آثامي قد تعالت فوق رأسي.»
فأجابه القديس قائلا: «يا بني، إن آثامي أنا أيضا قد تعالت فوق رأسي.»
صفحة غير معروفة