بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي صغرت في عظمته عبادة العابدين، وحصرت عن شكر نعمته ألسنة الحامدين، وقصرت عن وصف كماله أفكار العالمين، وحسرت عن إدراك جلاله أبصار العالمين، ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين.
صفحة ٥٩
وصلى الله على أكرم المرسلين، وسيد الأولين والآخرين محمد خاتم النبيين، وعلى عترته الطاهرين، وذريته الأكرمين، صلاة تقصم ظهور الملحدين، وترغم أنوف الجاحدين.
<div>____________________
<div class="explanation"> والكمال، وعلى آله المعصومين في الأقوال والأفعال، الممنوحين بوجوب التسئال (1) صلاة تتعاقب عليهم تعاقب الأيام والليال.
وبعد: فإن أحق ما أنفق فيه العمر وصرف فيه الدهر، تعلم المعالم الدينية، والإمعان في درك الأحكام الشرعية، والغوص في تيار بحارها، والكشف لأستار أسرارها، والاضطلاع بأعبائها بقدر الطاقة البشرية، فهي أقوى أسباب السعادة الأبدية، وهي أعلى مراتب العلماء. كيف لا؟ وهي صناعة الأنبياء، والمتكفلة بإرشاد الدهماء (2) وإصلاح الخصماء.
ولما اختصت بهذا السر المصون، حث عليها في الكتاب المكنون، فقال الله تعالى:
ليتنبه الغافلون ويهتم المهملون: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون). (3) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لكل شئ عماد وعماد هذا الدين الفقه) (4).</div>
صفحة ٦٠
أما بعد: فإني مورد لك في هذا المختصر خلاصة المذهب المعتبر، بألفاظ محبرة، وعبارات محررة، تظفرك بنخبه، وتوصلك إلى شعبه، مقتصرا على ما بان لي سبيله، ووضح لي دليله.
<div>____________________
<div class="explanation"> وقال (عليه السلام): (الفقهاء أمناء الرسل) (1).
وقال (عليه السلام): (رحم الله خلفائي بعدي. قيل يا رسول الله: ومن خلفاؤك بعدك؟ قال: الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي) (2).
وقال (عليه السلام): (من أكرم فقيها مسلما، لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض.
ومن أهان فقيها مسلما لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان) (3).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده محمد: (تفقه في الدين، فإن الفقهاء ورثة الأنبياء) (4).
وقال (عليه السلام): (العلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه منهم) (5).
وقال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): (لو علم الناس ما في العلم، لطلبوه ولو بسفك المهج) (6).</div>
صفحة ٦١
فإن أحللت فطنتك في مغانيه، وأجلت رويتك في معانيه، كنت حقيقا أن تفوز بالطلب، وتعد في حاملي المذهب.
<div>____________________
<div class="explanation"> وقال (عليه السلام): (إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء) (1) فازدحم لذلك الطالبون، وشمر المجتهدون، فجمعوا، وألفوا، وأكثروا فيما صنفوا. وأعانهم على ذلك صفو زمانهم المريع، المخصوص بالنعت، كزمان الربيع، حتى قال بعض المهاجرين (2) في وقت الاغتراب لما آن له من الحلة دنو الاقتراب:
فقرأت عند وصولها (بلدة طيبة ورب غفور) (3).
وكان هم ملوكهم تربية العلماء وتصدير الفقهاء. يعلم ذلك من مصنفات علمائهم ومنشورات رؤسائهم. فالآن عفت الديار (4) وشط (5) المراد [المزار] وخبت (6) من العلم ناره، وقلت أنصاره وأظلم مناره واستوعر مسلكه ومزاره وعز مناله وقلت رجاله.</div>
صفحة ٦٢
وأنا أسأل الله لي ولك الإمداد بالإسعاد، والإرشاد إلى المراد، والتوفيق للسداد، العصمة من الخلل في الإيراد، إيه أعظم من أفاد، و أكرم من سئل فجاد.
<div>____________________
<div class="explanation"> كأن لم يكن بين الحجون إلى * الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر (1) خصوصا علم الشرع الذي به نظام النوع.
وكان من أفصح مختصراته وأنقح مصنفاته كتاب النافع، أعني مختصر الشرايع:
تصنيف المولى الأكرم والفقيه الأعظم، عين الأعيان ونادرة الزمان، قدوة المحققين و أعظم الفقهاء المتبحرين، نجم الملة والحق والدين، أبي القاسم جعفر بن سعيد الحلي، (قدس الله نفسه الزكية) وأفاض على تربته المراحم الربانية.
قد احتوى على مباحث دقيقة وأنظار عميقة، وأشار فيه إلى الخلاف في الأقوال والروايات، مع شدة اختصاره وبعد أغواره واحتجبت أسراره وراء أستار لا يكشفها إلا الفقيه الكاسر، والبارع الماهر، إذ كان طويل المطالعة كثير المباحثة، محيطا بأقوال الفقهاء مطلعا على مآخذ الفتاوى، مع شدة احتياج الناس إليه، و إكباب الطالبين عليه.
فسألني جماعة من المشتغلين وطائفة من المترددين، أن أشرحه في دستور (2) يكون موضحا لما كمن من أسراره، ومؤديا إلى ما بعد من أغواره، وافيا بحل رموزاته و مبينا لخلافاته، مع ذكر حجة كل متمسك بما أعتمد عليه، وإحصاء ما يرد</div>
صفحة ٦٣
<div>____________________
<div class="explanation"> من الجواب عليه، فوقفت عند ذلك وأحجمت (1)، واستقلت فما أقلت. لعلمي بأن دون هذا المراد خرط القتاد (2)، واعتياد [واعتياض] السهاد عن الرقاد (3) وكلما ازددت مطلا وتماديا، ازدادوا حثا وتقاضيا. فلما طال الإلحاف ولم أجد بدا من الإسعاف، وكلته إلى نذر علقته على شرط، كالمعتصم إلى الاعتذار بحجة والمتفصي عن اقتحام اللجة. فحصل الشرط والموانع حاجزة والأسباب عاجزة، فسوفت طلبا لخلو الخاطر وزوال المانع الحاضر، فلم تزدد الموانع إلا تضاعفا، والأسباب إلا ضعفا، واستمرت التشويشات والأعذار، والزمان في التعاكس والإدبار. وهزمت جيوش الشباب، وعشش النسر في وكر الغراب (4) وزاد علينا غريم مطالب بالقهر، وهو لزوم الوفاء بالنذر.
فشرعت والقلب يتجرع مرارات الفتن كالمجروح يجد [بجز] الشفار، وأقدمت والفكر يتمضمض كاسات الإحن كالمقروح بذكاء النار، (5) والفهم تايه في شعاب الفيافي حين حرم ريه من الورد الصافي، مع تشويش الأراجيف المؤذنة (6) لكل</div>
صفحة ٦٤
<div>____________________
<div class="explanation"> مخيف. ولما رأيت الزمان لا يزداد إقباله إلا إدبارا، وعساكر الرفاهية أبت إلا انكسارا، ورأيت الأجل في اقتراب، والعمر في خراب. مع إبرام الإلحاح والتقاضي، واشتغال الذمة بالنذر الماضي، في ثبت ما سمحت به القريحة الفاترة، و إيراد ما وعته الفطنة القاصرة، لتعذر ما وراء ذلك من الإمعان، ومراعاة التحسين والإتقان، لما ذكرنا من تشويش [بؤس] الزمان، ووصفنا من ترادف الأحزان، قصدا للتخلص من عهدة النذر اللازم، وفرارا من مطالبة اللجوج (1) العازم، وخوفا من لزوم العقاب دون التنويه (2) بالكتاب. مستعينا بالله ومتوكلا عليه، فليس القوة إلا به، ولا المرجع إلا إليه.
فمن وقف فيه على تقصير في إشارة، أو عي في عبارة، أو خلل في إيراد، أو نوع من فساد، فأنا أسأله أولا التثبت في مراجعة الفكر والاعتبار، وتصفح الكتب والأخبار، قبل التسرع بالرد والاهذار، والنظر بعين الإزراء والاحتقار، فإن ذلك من أخلاق اللئام وشعار الجهال الطغام (3).
فإن وجد له شاهدا يعضده، أو نظيرا يؤيده وإلا نزله بذهنه السليم، ولو على التأويل السقيم، جاعلا سمعه تلقاء قوله تعالى: إذ أعلن في كتابه تنبيها وتبصيرا:
ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (4).
وإن لم يجد له محملا قط وكان في غاية السقط وسعه عذرا، فإن أخا الفضائل يعذر.</div>
صفحة ٦٥
<div>____________________
<div class="explanation"> أو عن بعض أصحابه.
والمتواتر: قطعي القبول لوجوب العمل بالعلم.
والواحد: مقبول بشروطه المشهورة، أو اعتضد بقطعي كفحوى الكتاب، أو دليل العقل، وأنكره كثير كالسيد، وابن إدريس.
والمرسل: مقبول إذا كان مرسله معلوم التحرز عن الرواية عن مجروح، كمحمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر، لأنهم لا يرسلون إلا عن ثقة.
المقدمة الثانية إعلم أن كل حكم مستفاد من لفظ عام، أو مطلق، أو من استصحاب يسمى بالأشبه لأن ما كان سبب الترجيح فيه التمسك بالظاهر. والأخذ بما يطابق ظاهر المنقول يكون أشبه بأصولنا. فكل موضع نقول فيه على الأشبه: يريد به هذا المعنى، والأنسب مثله.
والمراد بالأظهر في فتاوي الأصحاب، والأشهر من الروايات المختلفة، والأصح:
ما لا احتمال فيه عند المصنف.
والتردد: ما احتمل الأمرين، والأولى، هو ترجيح أحد قولين متكافئين في النقل لوجه ما.
والأحوط: ما يتفصى به من الخلاف وهما على الندب (1) وإذا قال: (على قول) أراد: أنه وجد قولا لبعض الفقهاء، ولم يجد عليه دليلا.</div>
صفحة ٦٧
<div>____________________
<div class="explanation"> والتخريج: تعدية الحكم من منطوق به إلى مسكوت عنه، إما لكون المسكوت عنه أولى بالحكم، وهو التنبيه بالأدنى - على الأعلى، كتحريم الضرب المستفاد من تحريم التأفيف، أو للنص على علية الحكم، ويسمي اتحاد طريق المسألتين، كقوله (عليه السلام) وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر: (أينقص إذا جف؟ قالوا: نعم، قال:
إذن لا يصلح) (1) سرى إلى تحريم بيع الزبيب بالعنب.
المقدمة الثالثة في بيان الإشارة إلى المشايخ المشار إليهم في هذا الكتاب فالشيخ إشارة إلى أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (2).
والمراد بالشيخين: هو مع شيخه أبي عبد الله المفيد، محمد بن محمد بن النعمان البغدادي (3).
وبالثلاثة: هما مع سيد المرتضى علم الهدى (4).
وبالأربعة: هم مع أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (5).
وبالخمسة: وهم مع أبيه علي بن بابويه (6).
وبالصدوق: محمد بن بابويه.</div>
صفحة ٦٨
<div>____________________
<div class="explanation"> وبالفقيه: أبوه. وقد أعبر عنهما بالصدوقين والفقيهين وابني بابويه.
وإذا قيل: ابن بابويه مطلقا، فالمراد به الصدوق، وكذا إذا قيل: قال ابن بابويه في كتابه: فالمراد بالكتاب، كتاب من لا يحضره الفقيه، وقد ذكر في خطته أنه لا يورد فيه من الأخبار إلا ما يعتمد عليه (1).
وأريد بالحسن: ابن أبي عقيل العماني (2).
وبأبي علي: أحمد بن الجنيد الإسكافي (3)، وقد أعبر عنهما بالقديمين.
وبالقاضي عبد العزيز بن البراج، تولى قضاء طرابلس عشرين سنة (4).
وبالتقي: تقي بن نجم الحلبي، المكنى بأبي الصلاح (5).
وأشير بقولنا: المفيد وتلميذه، إلى أبي يعلى سلار بن عبد العزيز (6). كما أن القاضي، تلميذ الشيخ.
وبالعلامة: إلى البحر الزاخر، واحد الآفاق ونادرة الزمان على الإطلاق، مستخرج الدقايق ومفيد الخلائق أبي منصور الحسن بن مطهر (7).</div>
صفحة ٦٩
.
<div>____________________
<div class="explanation"> وبفخر المحققين: الإمام المتبحر والفاضل المحرر ولده أبو طالب محمد بن الحسن (1).
وبالشهيد: أبي عبد الله محمد بن مكي (2) قدس الله أرواحهم أجمعين وحشرنا و إياهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وإذا قلنا: قال الشيخ في كتابي الأخبار: فالمراد بهما التهذيب والاستبصار، والمراد بكتابية مطلقا، أو كتابي الفروع، أو كتابي الخلاف: المبسوط والخلاف. و بكتابي القاضي: المهذب والكامل.
المقدمة الرابعة إعلم: أني التزمت في هذا الكتاب، بالإشارة، إلى تبيين الخلاف الواقع في كل مسألة أشار المصنف إلى الخلاف فيها، واجتهدت في تحصيل المخالف وإبانته وإن كان نادرا أو متروكا بحسب جهدي. وربما كان النظر أو التردد في المسألة من المصنف خاصة لدليل انقدح في خاطره، فأشير إلى ذلك وأبينه في موضعه بعد استقرائي أقوال الأصحاب وفتاويهم ورواياتهم بحسب الإمكان. وأورد في كل مسألة ما قال فيها الأصحاب من الأقوال المتعددة، وإن كان بعضها متروكا. فقد يقول المصنف في المسألة: وفيها قولان: فأذكر فيها أكثر من ذلك. وإن ناسبها مسألة خلافية أردفتها بها، وإن لم يشر المصنف إليها بالخلاف، بل وإن لم يذكرها في الكتاب غالبا. وإن كان المقام مما يليق به التفريع، أوردت عليه ما أمكن من التفريعات ووجوهها، وأوردت لكل فريق حجته من عموم إطلاق مسلم، أو</div>
صفحة ٧٠
<div>____________________
<div class="explanation"> تمسك بأصل، أو خصوص كتاب أو سنة، وما يرد عليه، وربما ذكرت جواب الإيراد. ولم أتقيد بالمسائل التي أشار فيها إلى الخلاف، بل إذا كانت المسألة غامضة وإن لم تكن خلافية، أو لم يشر إليها بالخلاف، وهي مشكلة، أو كانت قابلة للشعب المحتملة ذكرتها بما يظهر شعاعها، ويكشف قناعها، مستقريا لشعبها بحسب الإمكان، بعبارات تسابق معانيها الأذهان، وتعجب استماعها الأذان وأودعته من التفريعات، والغرائب والنكات، ما خلت عنه أكثر المطولات ولم يوجد في المختصرات سالكا طريق الإيجاز والاختصار، متنكبا (1). عن الإطالة والإكثار.
وسميته ب (المهذب البارع) في شرح مختصر الشرايع. وإن شئت فسمه (جامع الدقايق وكاشف الحقايق) لأنه لا يمر ب مسألة مشكلة، إلا جلاها غاية الجلاء، ولا لمعضلة إلا وشفى من بحثها غاية الشفاء، ورتبت في أول كل كتاب، مقدمة أو مقدمات، أذكر فيها تعريفه وسند مشروعيته من الكتاب والسنة والإجماع وما يليق به من التمهيد. فكان كالدستور يرجع إليه في المشكلات، ويعتمد عليه في المعضلات، ويتفكه منه بالتفريعات [بالتعريفات] والله أسأل أن يقبله بكرمه وفضله، وينفع به الطالبين بمنه وطوله، إنه على كل شئ قدير وبالإجابة جدير، وهو حسبي ونعم الوكيل.</div>
صفحة ٧١
كتاب الطهارة
صفحة ٧٣
وأركانه أربعة الركن الأول في المياه والنظر في المطلق، والمضاف، والأسار أما المطلق: فهو في الأصل طاهر ومطهر، يرفع الحدث ويزيل الخبث، وكله ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه، ولا ينجس الجاري منه بالملاقاة، ولا الكثير من الراكد، كتاب الطهارة (مقدمة) الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأدناس، قال الله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/0/82" target="_blank" title="سورة الأعراف: 82">﴿إنهم أناس يتطهرون﴾</a> (1) أي: يتنزهون، وشرعا اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة، وهذا تعريف الشيخ في النهاية (2) ورده ابن إدريس: لانتقاضه طردا بإزالة النجاسة لاستجابة الصلاة به، وليس بطهارة، وعكسا بوضوء الحائض، فإنه طهارة وليس بمبيح (3).
صفحة ٧٥
<div>____________________
<div class="explanation"> وأجيب عن الأول: بأنه إزالة مانع. وعن الثاني: بالمنع من كونه طهارة، لما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: الحائض تتطهر يوم الجمعة وتذكر الله تعالى؟ قال أما الطهر فلا، ولكن تتوضأ وقت كل صلاة، ثم تستقبل القبلة وتذكر الله تعالى (1) فنفى اسم الطهارة.
احتج بأنه وضوء، وكل وضوء طهارة. ورد بأنه مجاز من حيث المشابهة في الصوم كما يقال للفرس المنقوش على الجدار: هذا فرس.
ورسمها المصنف في المعتبر بأنها اسم لما يرفع حكم الحدث، ليخرج منه وضوء الحائض، ويدخل فيه وضوء دائم الحدث، ثم أورد عليه النقض بالمجدد، و بمن اجتمع عليه غسل ووضوء، لصدق الطهارة على كل واحد منهما، ولا يرفع حكم الحدث بانفراده، ثم قال: فالأقرب أو يقال: هو اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة (2) وهو رسمه في الشرايع (3).
فقوله: (اسم) لينبه على أن التعريف لفظي. وجعلها متعلقة بالثلاثة، ليخرج</div>
صفحة ٧٦
<div>____________________
<div class="explanation"> إزالة النجاسة. وقوله: له (تأثير) ليخرج وضوء الحائض، ويدخل طهارة دائم الحدث.
وفيه نظر: لأنه يخرج منه وضوء المجدد، إذ التأثير للسابق، لا له، فلهذا قيده العلامة في القواعد بما له صلاحية التأثير (١) لأنه قد يصلح أن يكون مؤثرا، فيمن تيقن خللا في إحدى طهارتيه على مذهب الشيخ.
وهي: واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب: فقوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/6" target="_blank" title="سورة المائدة: 6">﴿ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن ليطهركم﴾</a> (٢) <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/0/6" target="_blank" title="سورة المائدة: 6">﴿وإن كنتم جنبا فاطهروا﴾</a> (٣) <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/0/108" target="_blank" title="سورة التوبة: 108">﴿والله يحب المطهرين﴾</a> (٤) <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/0/4" target="_blank" title="سورة المدثر: 4">﴿وثيابك فطهر﴾</a> (٥) <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/0/11" target="_blank" title="سورة الأنفال: 11">﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به﴾</a> (6). وأما السنة: فقول النبي (صلى الله عليه وآله): (مفتاحها الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) (7).</div>
صفحة ٧٧
<div>____________________
<div class="explanation"> وقوله (عليه السلام: (لا صلاة إلا بطهور) (1) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على وجوب الطهارة بعينها، يطول بإيرادها الكتاب.
وأما الإجماع: فمن سائر المسلمين على وجوب الطهارة من الحدث والخبث، وإن اختلفوا في آحاد مسائلها.
وعقد الطهارة: على أربعة أركان.
وركن الشئ: جانبه الأقوى الذي لا يتقوم بدونه.
الأول: في المياه، الثاني: في الطهارة المائية، الثالث: في التيمم، الرابع: في إزالة النجاسات.
ووجه الحصر أن نقول: البحث إما عن الطهارة أو عن تابعها، فإن كان الثاني، فهو الرابع. وإن كان الأول، فلا يخلو إما أن يكون البحث عن حقيقة الطهارة أو عما تحصل به، فإن كان الثاني فهو الأول. وإن كان الأول فلا يخلو إما أن تكون الطهارة اختيارية أو اضطرارية، فإن كان الأول، فهو الثاني في الطهارة المائية، وإن كان الثاني فهو الركن الثالث في التيمم.
ووجه تقديم الأول: أنه كالمادة للطهارة، وهي متقدمة على الصورة، وقدم الثاني على الثالث، لأنها طهارة اختيارية، والثالث اضطرارية، والأصل هو حالة الاختيار، والاضطرار عارض، ولأن الثالث بدل عن الثاني لا يصار إليه إلا عند تعذره، ولكونه أشرف. وقدم الثالث على الرابع، لكونه طهارة شرعية مبيحة للعبادة، والرابع تابع، ورتبته التأخر عن متبوعه، ولأنه طهارة لغوية. وإنما لزم الفقيه البحث عنه، لأن</div>
صفحة ٧٨
وينجس القليل من الراكد بالملاقاة على الأصح.
وحكم ماء الحمام حكمه إذا كان له مادة. وكذا ماء الغيث حال نزوله.
<div>____________________
<div class="explanation"> النجاسة مانعة من الصلاة، ولما بحث عن الطهارة الشرعية التي هي شرط الصلاة، لزمه أن يبحث عن المانع منها ليتمكن العبد من الخروج عن عهدة التكليف، ولهذا سموه تابعا، فلزوم البحث عنه في كتاب الطهارة بحسب الاستطراد وبالقصد الثاني.
قال طاب ثراه: وينجس القليل من الراكد بالملاقاة على الأصح.
أقول: أجمع أصحابنا على تنجيس الماء القليل بوقوع النجاسة فيه. وندر الحسن بن أبي عقيل حيث ذهب إلى طهارته.
احتج الأولون: بما رواه الشيخ في الصحيح، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههن تطأ العذرة، ثم تدخل في الماء، أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، إلا أن يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء (1).
وما رواه الفضل أبو العباس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة، إلى قوله: فلم أترك شيئا إلا سألته عنه؟ فقال: لا بأس به، حتى انتهيت إلى الكلب؟ فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله وأصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (2).
ولأن القليل مظنة الانفعال بالنجاسة غالبا، وربما لم يظهر للحس، فوجب اجتنابه، والحوالة في عدم الانفعال على ضابط ظاهر، وهو الكر.
احتج الحسن: بما روي متواترا من قولهم (عليهم السلام): الماء طهور لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه (3).</div>
صفحة ٧٩
وفي تقدير الكثرة روايات، أشهرها ألف ومأتا رطل، وفسره الشيخان بالعراقي.
<div>____________________
<div class="explanation"> ولأن القول بنجاسة الماء بمخالطة النجاسة، ليس أولى من العكس.
والجواب عن الأحاديث: بأنها مطلقة، فيحمل على المقيد، ليحصل الجمع. وعن الثاني بوجود الأولوية، وهو الأحاديث الدالة على تنجيس القليل بالملاقاة.
قال طاب ثراه: وفي تقدير الكثرة روايات أشهرها ألف ومأتا رطل. وفسره الشيخان بالعراقي.
أقول: البحث هنا يقع في مقامين:
الأول: في تقدير الكثير، وهو المسمى بالكر. وللأصحاب في معرفته طريقان.
الطريق الأول: الوزن، وفي كيفيته ثلاثة أوجه:
(ألف) أنه ستمائة رطل، وهو في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الكر ستماءة رطل (1).
قال الشيخ في التهذيب: ولم يعمل بهذه أحد من الأصحاب، ولا يبعد أن يكون المراد به رطل مكة، لأنه رطلان عراقية (2).</div>
صفحة ٨٠
<div>____________________
<div class="explanation"> (ب) رواية عبد الله بن المغيرة، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الكر من الماء نحو حبي هذا (1).
قال في التهذيب: وهي مرسلة، ويحتمل كونه الحب يسع الكرية (2).
(ج) رواية محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الكر من الماء ألف ومائتا رطل (3).
وعليها عمل الأصحاب، ولا يضعفها الإرسال، لعملهم بمراسيل ابن أبي عمير.
الطريق الثاني: المساحة. وفيه ثلاثة أوجه:
(ألف) رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قلت:
وما الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار (4). ذكرها الصدوق في كتابه (ه)، وقواه العلامة في المختلف (6).
(ب) روايته أيضا عنه (عليه السلام) (قلت: الماء الذي لا ينجسه شئ؟ قال:</div>
صفحة ٨١