المحاضرات والمحاورات
الناشر
دار الغرب الإسلامي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٤ هـ
مكان النشر
بيروت
وأما من مات من الأطفال وهو يرضع، فانّ له أن يغذى في الجنة، ويروى ويشبع، ورد في الحديث: (إنّ في الجنة شجرة من خير الشجر، لها ضروع كضروع البقر، فمن مات من الصبيان الذين يرضعون، رضعوا منها أجمعون أكتعون أبصعون) [١] .
وورد في الحديث عن سيد بني عبد مناف بن قصيّ: (كلّ مولود ولد في الإسلام فهو في الجنّة، شبعان ريّان، يقول: يا ربّ أورد عليّ أبويّ) [٢] .
ومما يغبط فيه الأطفال أنهم ينجون في القبر من هول السؤال، وغيرهم من البالغين يسألون ويقلقلون ويتلتلون [٣]، ويكرّر عليهم السؤال سبعة أيام، ولهذا كان السلف يستحبون عنهم فيها الإطعام، فأعظم بالسلامة من هذا الهول من سلامة، وناهيك بالمعافاة من هذه الفتنة من كرامة، وقد قال النسفي [٤]، وهو الإمام الجليل الكبير: «الأنبياء/ وأطفال المؤمنين ليس عليهم حساب، ولا عذاب القبر، ولا سؤال منكر ونكير» [٥] .
وتمام النعمة والكرامة، أنهم يكونون في ظلّ العرش يوم القيامة، مأذونا لهم في الشفاعة، مجابا قولهم بالقبول والطاعة، ورد في الحديث من طريق الحفّاظ المتضلعين: (ذراري المسلمين يوم القيامة تحت العرش شافعين ومشفّعين) [٦]، وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ
[٧]، قال علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر: «هم أطفال المسلمين» [٨] . ثم إذا دخلوا الجنة كانوا مع أرفع الأبوين مكانا، وخير الوالدين فضلا وإحسابا.
وقد روى ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود، وهو كمرفوع السنة: «إن أطفال المسلمين ملوك يخدمون في الجنة»، وروى ابن حاتم عن خالد بن معدان [٩] ذي الجلالة والإمامة:
[١] في نسخة ب: أبضعون. الحديث في التمهيد لابن عبد البر ٤/٢٠٨. أكتعون: تأكيد (أجمعون)، ولا يستعمل مفردا عنه، واحده: أكتع، وهو من قولهم: جبل كتيع: أي تام (النهاية في غريب الحديث ٤/١٤٩) أبصع: كلمة يؤكد بها، وهو توكيد مرتب لا يقدم على أجمع. (اللسان: بصع) .
[٢] إتحاف السادة المتقين للزبيدي ١٠/٣٩٨.
[٣] يتلتلون: يصرعون. (اللسان: تلل)
[٤] النسفي: عمر بن محمد بن أحمد النسفي، نسبة إلى نسف، من فقهاء الحنفية، عالم بالتفسير والفقه والأدب والتاريخ، له مصنفات كثيرة، توفي بسمرقند سنة ٥٣٧ هـ. (الفوائد البهية ص ١٤٩، لسان الميزان ٤/٣٢٧.
[٥] مجموعة الحواشي البهية على شرح العقائد النسفية ١/١٦١.
[٦] الجامع الكبير ١/٥٢٦، كنز العمال ٣٩٣٠٧، تهذيب تاريخ دمشق ٥/٣٢٩.
[٧] سورة المدثر ٣٨، ٣٩.
[٨] تفسير مجاهد ٢/٧٠٦.
[٩] خالد بن معدان بن أبي كرب الكلاعي: تابعي ثقة، ممن اشتهروا بالعبادة، من فقهاء الشام بعد الصحابة، قال خالد بن معدان: أدركت سبعين رجلا من أصحاب النبي ﷺ، كانت إقامته في حمص بالشام، توفي سنة ١٠٤ هـ. (تهذيب ابن حجر ٣/١١٨- ١٢٠، تهذيب ابن عساكر ٥/٨٦) .
1 / 335