ويتقدم أصحاب هذه المدرسة بأمثلة متعددة تدعم وجهة نظرهم هذه، منها أساطير الطوفان، أو الدمار الشامل بالنار السماوية، أو الأعاصير. فشمولية هذه الأساطير وتكررها لدى معظم الشعوب دلالة على تجارب وخبرات عاناها الجنس البشري في مطلع حياته. (5) الأسطورة والطقس
أسس هذا الاتجاه رائد الأنثروبولوجيا الحديثة السير جيمس فريزر. ورغم النقد الذي يوجهه إليه علماء الأنثروبولوجيا المعاصرون، بعد مرور ثمانين عاما تقريبا على ظهور كتابه الفريد «الغصن الذهبي»، فإن تأثير ذلك العبقري ما زال ماثلا، وآراءه ما زالت تلقى الاحترام لدى الكثيرين.
يقول فريزر ومن تأثر به من أصحاب هذا الاتجاه،
11
بأن الأسطورة قد استمدت من الطقوس؛ فبعد مرور زمن طويل على ممارسة طقس معين، وفقدان الاتصال مع الأجيال التي أسسته، يبدو الطقس خاليا من المعنى ومن السبب والغاية، وتخلق الحاجة لإعطاء تفسير له وتسويغ. وهنا تأتي الأسطورة لإعطاء تسويغ لطقس مبجل قديم، لا يريد أصحابه نبذه أو التخلي عنه. إن قيام أتباع ديانة ديونيسيوس، مثلا، بشرب دم ثور حي بعد تمزيقه، وأكل لحمه نيئا بعد ذلك، هو طقس قديم أتت أسطورة موت ديونيسيوس على يد التيتان مفسرة له ومحافظة على حرارته ودفعه؛ فديونيسيوس يحاول الهرب من التيتان، أعداء أبيه زيوس، ولكن عبثا يغير أشكاله وهم يتبعونه، إلى أن يقبضوا عليه في هيئة الثور فينهالوا عليه تمزيقا ويلتهموه حيا ويشربوا دمه. (6) الأسطورة والذرائعية
أسس هذا الاتجاه عالم الأنثروبولوجيا الشهير مالينوفسكي، الذي قضى شطرا من حياته في دراسة تجريبية مع قبائل التروبرياند في غرب المحيط الهادي إبان الحرب العالمية الثانية، والذي يعد من أشهر ناقدي جيمس فريزر وأصحاب المدرسة النفسية أيضا كفرويد.
يقول مالينوفسكي إن الأسطورة لم تظهر استجابة لدافع المعرفة والبحث، ولا علاقة لها بالطقس أو البواعث النفسية الكامنة، بل هي تنتمي للعالم الواقعي، وتهدف إلى تحقيق نهاية عملية؛ فهي تروى لترسيخ عادات قبلية معينة، أو لتدعيم سيطرة عشيرة ما أو أسرة أو نظام اجتماعي وما إلى ذلك. فهي، والحالة هذه، عملية في منشئها وغايتها.
12 (7) الأسطورة والكبت، فرويد
في كتابه «تفسير الأحلام» اجتذبت الأسطورة فرويد، كما اجتذبت الكثير من أتباعه فيما بعد. وفي كتابه ذاك، الذي نشر لأول مرة عام 1905م.
13
صفحة غير معروفة