المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري

عادل مصطفى ت. 1450 هجري
213

المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري

تصانيف

إن اللفظ اللغوي العادي حين يوضع بين هلالين ويتحول إلى مصطلح علمي فإنه يفارق داره وينسى ماضيه، ويكتسي معنى جديدا قد لا يكون له بمعناه اللغوي الدارج أي علاقة، وبالتالي فليس يجدي نفعا تنقيبنا عن أصله وفصله ولا يقربنا إلى فهم المصطلح في وضعه الجديد، يقول جاستون باشلار في كتابه «المادية والعقلانية»: «إن اللفظ عندما يوضع بين مزدوجتين فهو يبرز وتحتد نغمته، إنه يأخذ فوق اللغة العادية نغمة علمية، ما إن يوضع لفظ من ألفاظ اللغة العادية بين مزدوجتين حتى يكشف عن تغير في منهج معرفة تتعلق بميدان جديد للتجربة، وبإمكاننا أن نذهب حتى القول من وجهة نظر الباحث الإبستمولوجي إن هذا اللفظ علامة على قطيعة وانفصال في المعنى، وإصلاح للمعرفة.»

12 •••

وبعد، فحين يحاج المرء بأن دعواه صائبة لا لشيء إلا لأن الأصل اللغوي نفسه للكلمة يفيد ذلك، فإنه يقع في ضرب من الاستدلال الدائري، وفضلا عن ذلك فإن افتراض أن الكلمات يجب أن تبقى لصيقة بمعناها التاريخي الأول هو افتراض ينطوي على إغفال عبثي للطبيعة الاصطلاحية للغة وتقييد لا مبرر له لنموها وتطورها.

إن اللغة لفي سيرورة دائمة وتحول دائب، وهناك ألف سبب يلح على الألفاظ أن تخرج من جلدها وتكتسي معاني جديدة غير ذات صلة بمعناها القديم، وما دامت اللغة في تغير مستمر فمن الطبيعي أن تواكبها في ذلك علوم اللغة المنوط بها رصد الظاهرة اللغوية وضبط حركتها، وأن يكون نهج العلوم توترا محسوبا بين «المعيارية» و«الوصفية»: معيارية تصون اللغة من التحلل والانهيار، ووصفية تفتح لها آفاقا للتطور والارتقاء.

الفصل السابع والعشرون

الاحتكام إلى الجهل

appeal to ignorance; ad ignoratiam

كان جحا غزير الشعر، فسأله أحد جلسائه مداعبا: كم عدد شعرات رأسك يا جحا؟ فأجابه جحا دون تردد: عددها واحد وخمسون ألفا وثلاثمائة وتسع وستون شعرة، فقال له جليسه متعجبا: وكيف عرفت ذلك؟ فأجابه جحا: إذا كنت لا تصدقني فقم أنت وعدها! ***

بديه أن جهل الجليس بعدد شعرات جحا، من جراء الاستحالة العملية لعدها، لا يقوم دليلا على أن عددها هو 51369 شعرة ! إن جحا في هذا السياق «يقرر» أمرا و«يثبت» حكما، ومن ثم فإن «عبء البينة»

burden of proof

صفحة غير معروفة