مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة

عادل مصطفى ت. 1450 هجري
200

مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة

تصانيف

ينسى هؤلاء أن اللغة في سيرورتها في الزمان تعتريها تغيرات كثيرة: منها التغير الصوتي والتغير النحوي والتغير الدلالي أو «السيمانتي».

2 (1) العربية لا هي عاجزة ولا معجزة

يقوم الدرس اللغوي العربي على مصادرة نهائية، سواء صرح بها أو لم يصرح، مفادها أن اللغة البشرية هبطت من السماء، وظهرت فجأة، بطريقة إعجازية خارقة، في لحظة زمنية واحدة، مستوية مكتملة، كما ولدت منرفا من رأس زيوس! اللغة عند هؤلاء هي «توقيف» أو وحي أو إلهام من الله، وحتى القلة من اللغويين العرب التي ذهب إلى أن اللغة «اصطلاح» أو عرف أو تواضع بين ثلة من الحكماء (من البشر أو غير البشر)؛ حتى هذه القلة

3

لا تحيد كثيرا عن فكرة التوقيف في صميمها ولبابها: فاللغة، بعد كل شيء، هي كيان نهائي ثابت محكم، خلاب الصورة مذهل البنيان، أتى بتدبير مدبر وفعل فاعل.

لم يكن العقل الإنساني في هذه المرحلة التاريخية من تطوره، لحظة تأسيس علوم اللغة، لم يكن قد تخلص بعد من آثار الشفاهية والبدائية وسذاجة الطفولة البشرية، كان عقلا قديما يهيمن عليه «باردايم»

4

قديم بائد، وما يزال يتلقط رواية من هنا وأسطورة من هناك يسد بها الثغرة وينفي الحيرة. وكان التاريخ عنده لا يتجاوز بضعة آلاف من السنين، ومن ثم لم يكن بوسع الإنسان في هذا التاريخ المقزم أن يصنع شيئا هائلا كاللغة؛ من هنا تنفذ الأسطورة وتستوي وتتربع.

وجه الأمر أن كفاح الإنسان على الأرض بدأ منذ ملايين السنين، كما تدلنا علوم الأنثروبولوجيا والجيولوجيا، وأن اللغة ظاهرة اجتماعية نشأت على رسلها كنتيجة حتمية للحياة في جماعة أفرادها يجدون أنفسهم مضطرين إلى اتخاذ وسيلة للتواصل والتعبير وتبادل الأفكار والخواطر، اللغة ظاهرة اجتماعية تظهر بظهور المجتمع وتتأثر بعاداته وتقاليده وطرائق سلوكه وتفكيره، وتخضع لسنن التطور الذي يخضع لها المجتمع، فترتقي بارتقائه وتنحط بانحطاطه.

لم يكن العرب نسيج وحدهم حين نسبوا لغتهم إلى قوة عليا خارقة وأضفوا عليها صفة الكمال وقالوا بأسبقيتها على بقية اللغات وبأفضليتها على سواها وباستحالة البيان بأي لغة أخرى، تلك هي «مركزية العرق» أو «المركزية الإثنية»

صفحة غير معروفة