9
في العربية لا في جانب العسر؟
ويطرد ورود بعض الأوزان في العربية للدلالة على معان خاصة، من ذلك أوزان أفعال الماضي والمضارع والأمر وأوزان اسم الفاعل وصيغ المبالغة والصفة المشبهة واسم المفعول وأفعل التفضيل والتعجب واسم الآلة والمصدر واسم الزمان والمكان وجموع التكسير.
الوزن في العربية هو قوام التفرقة بين أقسام الكلام، ولم تبلغ لغة مبلغ العربية في ضبط المشتقات بالموازين التي تسري على جميع أجزائها، وتوفق أحسن التوفيق المستطاع بين المبنى والمعنى. بعض هذه الأوزان لا يقتصر على الإشارة إلى مجمل مدلول الكلمة، بل يشير كذلك إلى بعض تفاصيل تتعلق بهذا المدلول، الأمر الذي يمنح العربية دقة خاصة في الدلالة والإمساك بالظلال الدقيقة للمعاني، ويتسنى به للكاتب بالعربية أن يطمح للتعبير العلمي الأدق والتعبير الفني الأكثر إيحاء وأسرا، كل ذلك ببساطة وسهولة واطراد، واقتصاد ذهني ورفق بالذهن والحافظة.
فصيغة «فعالة» تدل على حرفة أو ولاية، مثل: حياكة، نجارة، تجارة، عرافة، خلافة، إمارة، سياسة، صناعة. وصيغة «فعال» تدل على الأدواء، مثل: سعال، زكام، سبات، فواق، صداع، دوار؛ وعلى الأصوات، مثل: صراخ، نباح، ثغاء، خوار، رغاء. وصيغة «فعيل» تدل على الأصوات أيضا، مثل: صهيل، هدير، هديل، هرير، زئير، خرير، صليل، نعيق، صرير، نهيق، ضجيج، نعيب. وصفة «فعيل» تدل على الأوصاف الثابتة الملازمة للنفوس كشريف ونبيل وكبير وحقير ووضيع وصغير. ووزن «فعلان» يدل على صفات من أحوال، مثل: عطشان، شبعان، ريان، سكران، غضبان، حران، ظمآن. ووزن «فعول» يدل على الأدوية، مثل: اللعوق، والسعوط، والنشوق، والقطور والذرور. ووزن «تفعال» يكون للتكثير والمبالغة: كالتجوال، والتطواف، والتسيار، والترداد، والتهدار، والتلعاب، والتعداد، والتهداد. ووزن «فعيلة» للأطعمة: كالعصيدة، والسخينة، والبسيسة، والنقيعة. ووزن فعللة يدل على حكاية الأصوات، مثل: صرصرة، قرقرة، خشخشة، قعقعة، جلجلة، غرغرة. ووزن «أفعل» يدل على صفات بالألوان، مثل: أبيض، أحمر، أسود، أصفر، أخضر، وكذلك على العيوب، مثل: أحول، أعور، أقرع، أعرج، أخنف. وأكثر العادات في الاستكثار على «مفعال»، مثل: مضياف، مهذار، معطار. ووزن «فعلة» من الثلاثي يدل على المرة كضرب ضربة. أما «فعلة» فيدل على الهيئة كجلس جلسة (جلسة الأسد مثلا)، و«إذا قتلتم فأحسنوا القتلة»، و«مات ميتة تقوم مقام النصر». وصيغة «فعال» في غير المبالغة من اسم الفاعل تدل على الاحتراف أو ملازمة الشيء كالبقال والنجار والحداد.
وصيغ الأفعال وأوزانها في العربية عامل من عوامل ثروة اللغة وقدرتها على الدلالة على فروق وظلال تنضاف إلى المعنى الأصلي، دون زيادة في اللفظ ومع الاحتفاظ بطابع التركيز الذي تميزت به لغة القرآن: فصيغة «فعل» ترد بمعنى المبالغة، كقوله تعالى:
يذبحون أبناءكم ،
وغلقت الأبواب ، وبمعنى النسبة ، مثل: «جهله» إذا نسبه إلى الجهل، و«ظلمه» إذا نسبه إلى الظلم، وبالمثل خطأ، أله، سفهه ... إلخ، وصيغة «فاعل » تدل على المبادلة، مثل: ضاربه، وبارزه، وخاصمه، وحاربه، وقاتله. وصيغة «تفعل» ترد بمعنى التكلف، مثل: تشجع، وتجلد، وتحلم، أي تكلف الشجاعة والجلد والحلم، وترد بمعنى أخذ الشيء أو تلقيه، مثل: تأدب، وتفقه، وتعلم، أي تلقى الأدب والفقه والعلم.
10
وصيغة «استفعل» تكون بمعنى التكلف، نحو استعظم، أي تعظم، واستكبر، أي تكبر، ويكون استفعل أيضا بمعنى الاستدعاء والطلب، نحو استطعم، استسقى، استوهب، ويكون استفعل أيضا بمعنى فعل، نحو استقر أي قر، ويكون بمعنى صار، نحو استنوق الجمل، واستنسر البغاث. وصيغة «انفعل» فعل مطاوعة، نحو كسرته فانكسر، وجبرته فانجبر، وقلبته فانقلب، وسحبته فانسحب، شققته فانشق. ووزن «أفعل» تفيد التعدية، كأقام الدنيا وأقعدها، وملكية الشيء، كألبن وأتمر، والدخول في المكان والزمان، كأشأم وأعرق وأصبح وأمسى، والاستحقاق، كأحصد الزرع (استحق الحصاد)، وتعريض الشيء لأمر ما، كأرهنت المتاع وأبعته (عرضته للرهن والبيع)، والتمكين، كأحفرته الأرض أي مكنته من حفرها. وصيغة «افتعل» تفيد الاتخاذ، كاختتم واختدم أي اتخذ خاتما وخادما، والاجتهاد والطلب كاكتسب واكتتب، والتشارك كاخصتم فلان وفلان واختلفا، والإظهار كاعتظم أي أظهر العظمة، والمبالغة في معنى الفعل كاقتدر أي بالغ في القدرة، ومطاوعة الثلاثي، كعدلته فاعتدل وجمعته فاجتمع. وصيغة «تفاعل» تفيد التشريك بين اثنين فأكثر كتجاذبا وتخاصما، والتظاهر بالفعل كتجاهل وتمارض وتعالم وتصابى وتغابى، وحصول الشيء بالتدريج كتزايد الدخل وتواردت الأخبار، ومطاوعة فاعل، كباعدته فتباعد. ووزن «افعوعل» تفيد المبالغة والتوكيد، مثل اخشوشن الرجل في معيشته إذا بالغ في خشونة مأكله وملبسه ونحوهما، واعشوشبت الأرض إذا كثر عشبها وعمها فلم يترك بها مكانا خاليا، واحلولى الزمان إذا ذهبت منغصاته وبدت مسراته. وصيغة «فعال» المبني على الكسر للدلالة على الأمر (اسم فعل أمر) كحذار وتراك
صفحة غير معروفة