ويعنون بالأفصح دائما المأثور السائر الرائج بين الفصحاء، ولكن «الغريب» و«الشاذ» و«القليل» و«النادر» جزء من ثروة اللغة، ولا خلاف في كونه من أسلم كلام العرب، فقد ورد في القرآن والحديث وشعر العرب ونثرهم، وقد تكون ندرته منسوبة إلى زمان معين أو مكان معين، كما أن الحكم بالشذوذ والندرة والقلة فيه مجازفة لأنه يستدعي قراءة التراث كله، وما نحكم عليه بالشذوذ قد لا يكون كذلك لو وصل إلينا كل ما قالته العرب. وقد كان البصريون يبنون قواعدهم على الغالب الأعم من اللغة ويئولون ما يرونه شاذا أو نادرا أو قليلا، بينما كان الكوفيون يقيسون هذا الشاذ أو النادر، وقد ثبت في كثير من المسائل صحة ما ذهب إليه الكوفيون: مثل إجازة النسبة إلى الجمع، وإضافة مضافين إلى مضاف إليه واحد، وتقديم التمييز على عامله إذا كان فعلا متصرفا، وجواز تعريف العدد المضاف إضافة معنوية ب «أل» ... إلخ.
53
الاستناد إلى قواعد النحو والصرف:
ولكن هذه القواعد نفسها لا تخلو من الفساد في بعض الأحيان! وخاصة عندما منع النحاة اشتقاق وزن «فاعل» من «فعل»، أو جمع «فعل» على «أفعال»، ومجيء «كافة» إلا حالا، ودخول «أل» على «بعض»، وإضافة مضافين إلى مضاف إليه واحد، واشتقاق أفعل التفضيل من اللون ... إلخ، وغير ذلك مما أثبت الاستقراء اللغوي السليم صحته.
54
رفض المولد:
أي الذي استعمله الناس بعد عصر الرواية، وهو معيار يفضي إلى تحنيط اللغة في ألفاظها ومعانيها، فكل لفظ قديم كان ذات يوم «مولدا» إن جاز التعبير، وقبول المولد سنة طبيعية في اللغات جميعا، ومظهر حيوي للغة يساعد على بقائها ونمائها وتطورها. (2-2) المستوى الصوابي
حين نقول: إن السلطة اللغوية هي المجتمع اللغوي، فإنما نعني تلك «الجماعة التي تستعمل نظام الكلام بطريقة موحدة»، على حد قول بلومفيلد، ففي كل وسط اجتماعي متجانس السكان نجد عادة أن للغة شيئا من الوحدة، بل إنه لشرط أساسي لوجود اللغة أن يحرص من يتكلمونها على استخدام نفس الوسائل للتعبير،
55
فالجماعة المتزاملة لغويا تستعمل، كما يقول فيرث، ما يتقاسمونه من تجارب مشتركة، وهم يستمسكون بهذا التماثل ويحرصون عليه؛ لأنه شرط الفهم والإفهام في بيئتهم الخاصة.
صفحة غير معروفة