ولله در الفضيل بن عياض ﵀ حيث يقول: "لا تستوحش، من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين" وأحسن منه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ١.
وفي الصحيحين: "أن بعث النار من كل ألف تسعة وتسعون وتسعمائة، وفي الجنة واحد من كل ألف. ولما بكوا من هذا لما سمعوه. قال ﷺ: إنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية، فيؤخذ العدد من الجاهلية، فإن تمت وإلا أكملت من المنافقين". قال الترمذي حسن صحيح. فإذا تأمل الإنسان ما في هذا الحديث من صفة بدء الإسلام ومن اتبع الرسول ﷺ إذ ذاك، ثم ضم إليه الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم أيضا أنه ﷺ قال: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ"٢. تبين له الأمر إن هداه الله وانزاحت عنه الحجة الفرعونية ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى﴾ ٣ والحجة القرشية ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ﴾ ٤.
وقال أبو العباس- رحمه الله تعالى - في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ ٥: ظاهره أنه ما ذبح لغير الله سواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه النصراني ٦ للحم وقال فيه بسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى مما ذبحناه للحم وقلنا عليه بسم الله؛ فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة له والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور.
_________
١ سورة سبأ آية: ٢٠.
٢ مسلم: الإيمان (١٤٥)، وابن ماجه: الفتن (٣٩٨٦)، وأحمد (٢/٣٨٩) .
٣ سورة طه آية: ٥١.
٤ سورة ص آية: ٧.
٥ سورة البقرة آية: ١٧٣.
٦ لفظ (النصراني) من اقتضاء (الصراط المستقيم) .
1 / 285