76

Mudkhal Kabir

تصانيف

ولهذه العلة صارت كل ثلاثة منها مثلثات مصالحات موافقات فانظر إلى هذه الطبائع ما أعجب اتفاقها إن منها اثنين خفيفين عاليين وهما الهواء والنار وهما على مرتبتين خفيف وأخف من الخفيف فالهوائية خفيفة والنارية أخف من الخفيف وطبيعتين ثقيلتين غليظتين سفليتين وهما الماء والأرض وهما على مرتبتين غليظ وأغلظ من الغليظ فالغليظ الماء وأغلظ من الغليظ الأرض فصارت كل المائيات الغليظة السفلية مقابلة للأرضيات التي هي أغلظ من الغليظ وصارت كل الهوائيات الخفيفة العلوية مقابلة للناريات التي هي أخف من الخفيف الفصل الرابع في ترتيب طبائع البروج

إن ناسا ممن نظر في العلوم الطبيعية ردوا هذا الترتيب وقالوا لم بدؤوا في ترتيب دلالة البروج بالنار ثم بالأرض ثم بالهواء ثم بالماء ولأي شيء لم يجعلوا النار ثم الهواء ثم الماء ثم الأرض على ما هو عليه في الترتيب الطبيعي فقلنا إن من الأركان ما هو مفرد وهي الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة ومنها ما هو مركب وهو النار والأرض والهواء والماء وهذه الأركان الأربعة وإن كانت مركبة فإن كل واحد منها ينسب إلى الركن المبسوط الذي هو عليه أغلب وذلك أن الحرارة على النار أغلب واليبوسة على الأرض أغلب والرطوبة على الهواء أغلب والبرودة على الماء أغلب فنسب كل واحد من هذه الأركان المركبة إلى الركن المبسوط الذي هو عليه أغلب ومن هذه الأركان الأربعة المفردة اثنان فاعلان متضادان وهما الحرارة والبرودة واثنان منفعلان متضادان وهما اليبوسة والرطوبة فأما الفاعلان فأحدهما به يكون حركة الحيوان وهي الحرارة والآخربه يكون فساده وهو البرودة والمنفعلان هما اليبوسة والرطوبة وأحد المنفعلين وهو اليبوسة يقبل الانفعال أكثر مما يقبله الآخر فأما الرطوبة فإنها دون اليبوسة في قبول الانفعال

فلما كانت الأربعة الأركان المفردة على هذه الحال بدؤوا بالنار لعلل أما إحداها فلأن الغالب على النار الحرارة ولأنه لا يحدث حركة ولا كون حيوان إلا بالحرارة الغريزية التي تحدث في ذلك الشيء جعلوه في الطرف الأول وجعلوا الماء الذي عليه قوة البرودة أغلب في الطرف الآخر لأنه إذا كانت الحرارة تفعل الكون بالحرارة الغريزية التي تحدث في الحيوان فالبرودة إذ هي ضد الحرارة تفعل فساد ذلك الكون

صفحة ١٩٨