وربما عجز أيضا بعض علماء هذه الصناعة في وقت نظرهم في بعض الأشياء ئلى إلى أن يبلغوا من حقيقته والإحاطة به ما لا يخطؤون فيه لعجزهم في ذلك الوقت عن استعمال الفكرة في كل شيء يحتاجون إلى معرفته في ذلك المعنى بعينه وربما كان ذلك الخطاء لاشتباه دلائله وعسر تمييز بعضها من بعض وكذلك كل العلوم اللطيفة الغامضة فإنه ربما عجز كثير من الناس أن يحيط بها علما وربما لم يأمن علماؤها في بعض الأوقات الخطاء والزلل وخاصة إذا كان على مثل ما ذكرنا من علم هذه الصناعة فإذا كان علم هذه الصناعة وسائر الصناعات التي يحتاج فيها إلى تقدمة المعرفة على ما ذكرنا من الغموض وبعده من الحواس فلا ينبغي أن يبطل ما يدرك من علمها لمكان ما لا يدرك منه ولا يحمل جهل من جهلها أو حرفها عن موضعها على من علمها وصدق عنها ولا يرفض ما قوي عليه من ذلك زهدا فيه إذ لم يقدر على أكثر منه ولا يمنعه ضعفه عما لا يعلم منه من استعمال ما يعلم منه ولا يصده خوف ما يعرض فيه من الخطاء عند ضعفه عن أن يستمتع بما يقوى عليه منه فيقضي به حاجته فإن قليل العلم كثير النفع ولا سيما تقدمة المعرفة بما هو كائن وعلم ما هو آت
وقد نرى الأطباء وغيرهم من أصحاب الصناعات قد يخطؤون في تقدمة المعرفة بالأمراض والعلل عند ما يخبرون به عما يكون ويحدث بالمريض من شدة علته أو خفته وسرعة بروئه أو طول مرضه وسلامته أو موته وسائر حالات الأمراض مما يحدث فيها ويؤول إليه حاله منها فلا يمنع الأطباء قليل خطائهم من الرغبة في صناعتهم والتزين بها واستعمالها ولا يشتد إنكار الناس ذلك عليهم ولا يمنعهم ما رأوا من قليل خطاء هؤلاء في صناعتهم من طلب الانتفاع بعلاجهم والاستراحة إلى مداواتهم والسرعة إلى تصديقهم في إخبارهم عما هو كائن من الصلاح والفساد في أبدانهم بما تقدمت لهؤلاء عندهم من المنفعة والصواب الذي كانوا قد عرفوه منهم في قديم الأيام بطول التفقد والتجارب وكذلك مدبرو السفن فإنه لا يدع الملاح ملاحته ولا يدع الناس ركوب الماء بقليل خطاء الملاح وكذلك سائر العلوم والصناعات لا يكاد أهلها يسلمون من عارض خطاء أو حادث آفة يتهيأ لهم ولا تبطل صناعتهم لذلك
صفحة ٧٦