فأما البحار التي لا يتبين فيها المد والجزر فهي على ثلاثة أصناف فالصنف الأول البحر الذي يكون القمر موازيا لأحد شاطئه ولا يوازي الشط الآخر لبعد مسافة ما بين الشطين ويكون الشط الآخر الذي لا يوازيه القمر يلي من الأرض المواضع التي هي غير مسكونة فلا يوجد فيها المد والجزر وذلك كأوقيانس البحر فإنه لا يتبين فيه المد والجزر لاتساعه ولبعد أحد الشطين من مدار القمر ومن العمران ومن مشاهدة الناس له لأن البحر الذي يلي شاطئه العمران يجد الناس فيه المد والجزر وإذا كان شاطئاه لا يليان العمران لا يجدونهما فيه والصنف الثاني الماء الذي يكون شاطئاه معلومين ينتهيان إلى العمران ويكون القمر موازيا له أو قريبا من موازاته ولا يكون له أرجل وجزائر ينبسط فيها الماء فإذا صار القمر إلى الربعين الدالين على المد وحرك مائه فتحرك وتنفس لم يتبين مد ذلك الماء ولا جزره ولكن تكون فيه أمواج ورياح عواصف فإنما يكون ذلك في البحيرات وفي الجزائر وفي أرجل البحار المنقطعة من البحر والصنف الثالث المياه التي ينصب بعضها إلى بعض فإذا كان وقت المد وتنفس الماء العلوي انصب إلى أسفل ولم تتبين زيادته
فأما البحار التي يكون ويوجد فيها المد والجزر فهي البحار التي تكون قريبة من موازاة القمر ويكون مسيرها زمانا من الأزمنة ويكون شاطئاها يليان العمران ويكون لها أرجل وجزائر ينبسط فيها الماء عند المد ويكون الغالب على أرضها الصلابة وكثرة الجبال فإذا كان وقت المد وتنفس ماؤها وفاض وانتشر على شاطئها وبلغ إلى أرجلها وجزائرها فمدت وجزرت كما يمد ويجزر بحر فارس وبحر الهند وبحر الصين والبحر الذي بين القسطنطينية وإفرنجة وغيرها من البحار التي هذه صفتها
فبهذه الأشياء يكون اختلاف حالات البحار في المد والجزر على ما ذكره القدماء ممن نظر في العلوم الطبيعية فقد تبين لنا صفة المياه التي لا تمد ولا تجزر والتي لا يتبين فيها المد والجزر ويتبين لنا أن البحر لا يتنفس من ذاته وأن القمر علة ذلك التنفس وهو المحرك لماء البحر بطبعه
صفحة ٣٢٢