وقد زعم قوم أن المد والجزر قد يكونان في المياه العذبة مثل مياه مدينة البصرة ومدينة الصين ومواضع كثيرة من أرجل البحار والجزائر التي تكون مياهها عذبة ويكون فيها المد والجزر فقلنا إن مياه البصرة والصين وسائر المواضع التي حالها كحالهما ومياهها عذبة فإنها مغائض الأنهار وأودية عذبة تجري إليها من مواضع ونواحي أخر غير البحر وهي متصلة بماء البحر المالح فيوجد في هذه المياه وما كان مثلها من المياه العذبة المد والجزر لاتصالها بماء البحر ولو لم يتصل هذه المياه العذبة بماء البحر لم يوجد فيها المد والجزر
فأما المد فإن مائه يكون فا ترا وأما الجزر فإن مائه يكون باردا وذلك لأن في وقت المد يخرج الماء من عمق البحر وهو فا تر وتزيده حركته وتحريك القمر له فتورا فلهذه العلة يكون ماء المد فا ترا وكلما كان المد أغلب وأكثر كان أفتر وإنما ذلك لكثرة حركته وكثرة خروج المياه التي في قعر البحر فإذا صار ذلك الماء في المواضع البعيدة من عمق البحر كالشطوط والجزائر والأودية والمغائض والبطائح يبرد فيرجع بذلك البرد إلى البحر فلذلك صار ماء الجزر باردا
والذي يفعله القمر بطبيعته في ماء البحر إنما هو المد فأما الجزر فليس هو من فعل القمر وإنما ذلك فعل طبيعة الماء لأن القمر إذا بلغ إلى موضع من المواضع الدالة على المد كان هناك ابتداء المد إلى أن يبلغ القمر إلى نهاية دلالته على المد في ذلك الموضع فهناك ينتهي المد فإذا انتهت قوة المد منتهاه في ذلك الوقت رجع الماء بطبيعته إلى مكانه الذي كان خرج منه وهو الجزر
صفحة ٢٨٠