المدهش
محقق
الدكتور مروان قباني
الناشر
دار الكتب العلمية-بيروت
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٥هـ - ١٩٨٥م
مكان النشر
لبنان
الْبَاب الثَّانِي
فصل فِي تصريف اللُّغَة وموافقة الْقُرْآن لَهَا
لما كَانَت اللُّغَة تَنْقَسِم قسمَيْنِ
أَحدهمَا الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى على سامعيه وَلَا يحْتَمل غير ظَاهره
وَالثَّانِي الْمُشْتَمل على الْكِنَايَات والإشارات والتجوزات وَكَانَ هَذَا الْقسم هُوَ المستحلى عِنْد الْعَرَب
نزل الْقُرْآن بالقسمين ليتَحَقَّق عجزهم عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عارضوه بِأَيّ الْقسمَيْنِ شِئْتُم وَلَو نزل كُله وَاضحا لقالوا هلا نزل بالقسم المستحلى عندنَا وَمَتى وَقع فِي الْكَلَام اشارة أَو كِنَايَة أَو اسْتِعَارَة أَو تَعْرِيض أَو تَشْبِيه كَانَ أحلى وَأحسن
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس
(وَمَا ذرفت عَيْنَاك إِلَّا لتقدحي ... بسهميك فِي أعشار قلب مقتل)
فَشبه المنظر بِالسَّهْمِ فحلى هَذَا عِنْد السَّامع
وَقَالَ أَيْضا
(فَقلت لَهُ لما تخطى يجوزه ... وَأَرْدَفَ اعجازا وناء بكلكل)
فَجعل اللَّيْل صلبا وصدرا على جِهَة التَّشْبِيه وَقَالَ الآخر
(من كميت أجادها طابخاها ... لم تمت كل مَوتهَا فِي الْقُدُور)
أَرَادَ بالطابخين اللَّيْل وَالنَّهَار
فَنزل الْقُرْآن على عَادَة الْعَرَب فِي كَلَامهم
فَمن عَادَتهم التَّجَوُّز وَفِي الْقُرْآن فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ يُرِيد أَن ينْقض
وَمن عاداتهم الْكِنَايَة وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط
1 / 36