ولكن ليس للجنة أن تجتمع من تلقاء نفسها، إذ إن ذلك يتضمن ناحية سياسية هي من حق الحكومات وحدها؛ ولهذا فلن تبحث اللجنة هذه المسائل إلا بناء على دعوة من الحكومتين ... وعلاوة على ذلك فلن يكون لها أن تبحث الموقف السياسي البحت، وإنما تبحث الآثار العسكرية المترتبة عليه.
وليس للجنة في أية حال سلطة إصدار قرارات، فإن هي إلا هيئة فنية بحتة استشارية، أما الحكومتان فهما اللتان تحتفظان بموجب سيادتهما بحق اتخاذ القرارات فيما يتعلق بالمسائل التي درستها اللجنة.
والطريقة التي ستجري بها العمل عادة كما يأتي: بعد أن تدرس اللجنة مسألة معينة تثبت النتائج التي انتهت إلى الاتفاق عليها، وتقوم كل من الشعبتين بعد ذلك برفع هذه القرارات إلى حكومتها فإذا أقرتها الحكومتان؛ فإنهما تتبادلان مذكرات أو خطابات تثبت تصديقها عليها كما قد يحدث أن تشرع الحكومتان ذاتهما في دراسة جديدة للمسألة، وأن ترفضا وتعدلا مقترحات اللجنة المشتركة.
والحالة الوحيدة التي يمكن فيها أن يوضع أي قرار موضع التنفيذ، هي الحالة التي يتحقق فيها الاتفاق التام بين الحكومتين بمقتضى مذكرات أو خطابات متبادلة، ومعنى هذا أنه لا يترتب على إنشاء اللجنة المشتركة - لا قانونا ولا فعلا - أي تعد على اختصاصات الحكومتين.
وبالتالي ليس فيها مساس باستقلال الدولتين المتعاقدتين.
لجنة الدفاع ... والحماية
يرى القارئ من اختصاصات لجنة الدفاع المشترك السالفة الذكر أنها لجنة استشارية بحتة، وليست لجنة لبسط الحماية البريطانية على مصر، كما أراد المغرضون في ذلك الوقت أن يشوهوها أمام الرأي العام، وهم يتجاهلون أن جلاء القوات البريطانية عن مصر سيتم برا وبحرا وجوا، وأن مصر ستسترد بذلك كامل حقوقها في السيادة والاستقلال دون أية شائبة تشوب هذه الحقوق، وإذن فلن تكون علاقة إنجلترا بمصر بعد ذلك إلا كعلاقة غيرها من الدول. وما اللجنة المشتركة سوى لجنة - كما رأيت - يتساوى فيها عدد المصريين والإنجليز، سواء منهم العسكريون أم المدنيون، وهي استشارية محضة كما قلنا، لكل من الدولتين أن تقبل مشورتها أو ترفضها أو تعدلها، وما المحالفة بين مصر وبريطانيا بما فيها اللجنة المشتركة إلا وثيقة خاضعة لنظام هيئة الأمم المتحدة، ولمجلس أركان حرب هذه الهيئة بمجرد أن يتم تشكيله أن يراجع أعمالها، ويوجه خطأها فيما يطابق ميثاق الهيئة.
فإذا ذكرت كل ذلك كان من حقي أن أقول لأولئك الذين سمموا في ذلك الوقت جو هذه البلاد، بزعم أن قبول هذه اللجنة هو قبول للحماية البريطانية: إنهم ألصقوا ببلادهم أشنع التهم، فهو توهموا أو أرادوا أن يوهموا أن ما يقوله الجانب البريطاني في هذه اللجنة سيقبله الجانب المصري لا محالة، كما توهموا أن توصيات اللجنة - رغم أنها استشارية - ستكون ملزمة لأية حكومة مصرية؛ لأن إنجلترا قوية ومصر ضعيفة، وهذا محض اتهام صادر عن هوى شخصي دفع به إلى تمني قطع المفاوضة، أملا في إحراج مركز الوزارة.
على أن هذا الإيهام أو الوهم صادر عن ضعف في الإيمان باستطاعة مصر المحافظة على حقها تاما في الاستقلال، ورميها بشبه مركب النقص
Inferiority complex ، كلما واجه المصري ممثلا إنجليزيا في أي عمل من الأعمال، أو كلما واجهت مصالح مصر مصالح إنجلترا في أي ميدان من الميادين.
صفحة غير معروفة