83

وجدير بهذا الاهتمام أن يكون الرد وليد إدراك الوقائع - كما هي - إدراكا سليما خالصا - إذ تحرص مصر على المبادرة إلى «تطمين» حكومة الولايات المتحدة على حقيقة نواياها.

فمصر - باعتبارها من بلاد الشرق الأوسط - تشارك الولايات المتحدة ما تبديه من الاهتمام بأمر تلك المنطقة، ولكن مصر تود أن توضح أن حرصها على هذا الأمر، مرتبط لديها بضرورة استعادة حرياتها كاملة غير منقوصة.

وهي تدرك دائما أنه يجدر ألا يغيب عن النظر تلك الضمانات المترتبة على معاهدة سنة 1936 مع بريطانيا العظمى، ولكنها تسارع إلى التصريح بأن هذه الضمانات لن يكون من شأنها، إلا أن تزداد ثباتا لو استند التحالف المراد عقده مع بريطانيا العظمى على أساس من الثقة والصداقة، ولا يتوافر هذا إلا باحترام استقلال مصر.

وبهذا الشرط وحده - وهو شرط مستمد أيضا من أحكام ميثاق الأمم المتحدة، وكانت مصر في طليعة الدول التي انضمت إليه - يتسنى لمصر أن تساهم مساهمة جدية في توطيد السلم العالمي ... وهي ستعمل ذلك بفضل مواردها الخاصة، وشعورها العميق بواجباتها الجديدة، التي تقع على عاتقها كدولة مستقلة.

وأن تجاهل هذه الحالة والتسويف في علاجها لمما يخلق جوا من القلق - إن لم نقل جوا من التوتر - فيه إضرار بالغرض المنشود، ألا وهو تهيئة الانسجام والتفاهم المتبادل اللازمين لاستقرار السلم في الشرق الأوسط استقرارا نهائيا.

وإن مصر تتقبل بارتياح تلك الفرصة المتاحة لها، فتطلب من حكومة الولايات المتحدة أن تضم جهودها القوية إلى كافة الجهود الأخرى المبذولة؛ لتهيئة ذلك الانسجام.

هذا هو ردي على الرسالة الأميركية ...

وقد أبرقت إلى وزيرنا بأميركا؛ ليعرف وجهة نظري؛ وليقابل المسئولين في وزارة الخارجية الأميركية، ويتعرف آراءهم في الموقف، فجاءتني منه برقية تتضمن حديثه في هذا الشأن مع رجال تلك الوزارة يقول فيها:

رغبت في تعرف مدى مشاركة حكومة الولايات المتحدة للحكومة البريطانية في مطالبها من مصر، فتحادثت طويلا مع المسئولين عن السياسة في الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية، فبدأت بقولي: إنني آسف لتعضيد الحكومة الأميركية للمطالب البريطانية، مما ساعد على إيجاد المصاعب الحالية في سبيل المفاوضات، فردت الدوائر الرسمية على قول هذا محتجة بقولها إن موقف الحكومة الأميركية في هذا الشأن معروف، ولا يتعدى ما ورد في الرسالة التي بعث بها رئيس الجمهورية إلى رئيس مجلس وزراء مصر، عن طريق وزير أميركا - ومؤداها أن أميركا تهتم بأن يسود الأمن في هذه المنطقة ... فلما قلت إن هذه الرسالة غامضة، وهي تشجع الإنجليز على التشدد مع ترك المسألة المصرية من غير حل، وبالتالي، فإن السلم في هذه المنطقة يظل مهددا، أجابتني الدوائر الرسمية بأن هذا لم يكن الغرض الذي ترمي إليه من الرسالة، وأضافت أن هذا الاعتقاد لو كان قائما في ذهني، فإنها لا تتوانى عن إيضاح موقفها مرة أخرى للإنجليز - ولا يخامرني الشك في أنها ستفعل.

وبطبيعة الحال تناولت أحاديثي مسألة الخطر الروسي، فأفضى إلي من حادثتهم باعتقادهم أن النفوذ الروسي سيجد في مصر مرعى خصيبا؛ نظرا للفوارق الهائلة بين طبقتي الشعب فيها، فقلت: إن الحكومة آخذة في معالجة هذه الحالة بمعاضدة حضرة صاحب الجلالة الملك، ولكن السبب فيها راجع إلى عامل خارجي أكثر خطورة، أعني الضغط الواقع من إنجلترا - ذلك الضغط الذي قد يؤدي بمرور الزمن إلى حمل بعض العناصر، على مصافحة اليد الممدودة إليها؛ ولهذا ينبغي للديمقراطيات أن تكف عن هذا الضغط، وأن تسعى وراء كسب صداقة شعوب الشرق الأوسط، فإن هذه الشعوب لا ترحب بشيء ترحيبها بأن ترى الصداقة بينها متبادلة.

صفحة غير معروفة