ودارت المحادثات بيننا نحن الاثنين: «ثروت، وصدقي» من جهة، وبين اللورد اللنبي، وإذا ما قلت «ثروت وصدقي» فإني أقول: إننا كنا على اتصال بعدلي باشا وإرشاد منه في كل الأدوار، وقد وضعنا مشروع تصريح 28 فبراير، وتوليت تحرير هذا المشروع باللغة الفرنسية.
وقد اتفقنا مع اللورد اللنبي على أن يقدمه إلى حكومته، وأن تصرح به على أن يكون هذا التصريح من جانب إنجلترا وحدها، حتى إذا ما تفاهمنا بعد ذلك على أوضاع جديدة تحقق أهداف البلد تماما، دخلنا عليها أحرارا غير مقيدين.
وأهم ما جاء في هذا المشروع: (1)
إعلان رفع الحماية عن مصر، والاعتراف باستقلالها، وما يترتب عليه من نتائج دولية وداخلية. (2)
إلغاء الأحكام العرفية التي أعلنت في نوفمبر سنة 1914.
كل هذا مع احتفاظ إنجلترا بتأمين المواصلات البريطانية، والدفاع عن مصر من كل اعتداء خارجي، وحماية الأجانب، ومسألة السودان، وذلك إلى حين يتسنى إبرام اتفاقية بين مصر وإنجلترا ...
وفي أوائل يناير سنة 1922 سافر اللورد اللنبي إلى لندن، وبرفقته المستشارون الإنجليز الثلاثة لإقناع حكومتهم بهذه الخطوة، وقد صادف سعي اللنبي مقاومة في أروقة رياسة الحكومة البريطانية ووزارة الخارجية، وبعد تباطؤ وتردد وافقت الحكومة البريطانية على إعلانه في 28 فبراير من تلك السنة، ثم قدمته إلى مجلس العموم، فناقشته. وفي يوم 15 مارس سنة 1922 أعلن استقلال مصر، الذي ترتب عليه أن أصبح السلطان فؤاد ملكا ...
التآمر على حياة ثروت
لما سافر اللورد اللنبي إلى لندن مع المستشارين الإنجليز لعرض مشروع تصريح 28 فبراير، كنا نترقب أخبار لندن؛ لنطمئن على هذا المشروع، الذي نود له النجاح، وذات ليلة، كنت جالسا في نادي محمد علي ليلا، فخاطبني بالتليفون ثروت باشا، وطلب مني أن أحضر إليه، فقلت له: ليس عندي عربة، فإما أن تحضر أنت أو ترسل إلي بعربتك، فقال: إن عربتي غير موجودة معي، ولا بد من حضورك لأمر هام، فخرجت من النادي، وركبت عربة أجرة، ووصلت إليه، فأنبأني بأن الوزير المفوض وهو وكيل اللنبي جاءه بآخر الأنباء، وهي تتلخص في أن اللورد اللنبي انتهى تقريبا إلى اليأس من النجاح في مهمته، وأنه حتى هذه الساعة لم يستطع مقابلة لويد جورج ... وطلب مني أن أذهب إلى سراي عابدين لإبلاغ ذلك لعظمة السلطان فؤاد، فقلت له: «بل اذهب أنت؛ لأنك أقدم مني وأنت المقدم» فرفض، فأصررت، وأصر هو على ذهابي إلى عابدين، ولم أكن أعلم شيئا، وقال: سأخبرك فيما بعد بشيء من التفصيل يتعلق بما نحن فيه، وأخبرني أن العربة التي وصلت بها ستحملني إلى عابدين؛ لأنه أمر ببقائها.
وصلت إلى عابدين، والتمست مقابلة عظمة «السلطان» فؤاد فسمح لي بها حالا، وأخبرته ما أبلغني إياه ثروت باشا فقال لي: «لعل الحكومة البريطانية استكثرت المطالب التي تطلبونها ...!»
صفحة غير معروفة