أخذت أجري كالطفلة الصغيرة من الفرن إلى الثلاجة، ومن الثلاجة إلى زهرية الورد، ومن زهرية الورد إلى صورة الحائط، ومن صورة الحائط إلى الفرن.
تصبب العرق من وجهي وسال إلى فمي، لكني وجدت له طعما جديدا لذيذا. ارتفع صدري وانخفض في أنفاس لاهثة متقطعة كجواد سباق لكني نسيت أن لي رئتين. وضعت يدي داخل الفرن ولم أشعر بلسع النار كأنما نسيت خلايا مخي ألم الحرق.
التوى ظهري من الانحناء تحت الموائد والانثناء فوق الرفوف، كأنما تلاشت عظام عمودي الفقري. ثم دق جرس الباب دقة واحدة رنت في قلبي رنينا غريبا رهيبا كأني أسمع صوت الجرس لأول مرة في حياتي. •••
جلس في حجرة الاستقبال وعيناه العميقتان الباسمتان أبدا تتجولان بين صور الحائط، وملامحه الجادة الرصينة تتلفت حوله في استطلاع واهتمام، وأنا أجلس على غير بعد منه أحاول أن أخفي ذلك الشعور العجيب الذي يهز أعماقي، وأحاول أن أكتم الفرحة الغريبة التي تملأ قلبي، وأحاول أن أتجاهل تلك الرجفة العنيفة التي أصابت روحي.
ولكن هيهات؛ عيناي تفضحانني بنظراتهما المتعثرة، وشفتاي تخونانني برعشتهما المضطربة، وصوتي يكشفني بنبرته الوجلة، ورأيته يبتسم في رقة ويقول: بيتك جميل ... بيت فنانة.
قلت: أنا أحب الفن، ولكن الطب يستولي على كل وقتي.
قال: إن الطب فن في حد ذاته.
ونظر إلي.
ماذا في عيني هذا الرجل؟ بحر عميق ليس له قرار؟
وقلت له: أتشرب فنجانا من الشاي؟ فهز رأسه في إيماءة خفيفة وهو يبتسم، فتركته وذهبت أعد الشاي، ونظر إلي الخادم في دهشة وريبة وهو يراني لأول مرة منذ دخل بيتي وأنا أقف في المطبخ أعمل شيئا.
صفحة غير معروفة