وتتالى الخطباء بعد ذلك بحماس وحدة، ويسرني أن أقول إنهم جميعا طلبوا تحسين الحال، والواقع أن هذا الموقف الموجودة فيه المرأة اليوم، موقف حيوان المتاع والشهوة، أخس من أن يجد نصيرا يريد الإبقاء عليه، بل لا أشك لحظة في أن فتياتنا اليوم يخجلن أن يرين أنفسهن موضع اعتبار كهذا ... يعلم الله لو سمعت أن أحدا وجه إلي مثل هذه التهمة الشنعاء لما ونيت لحظة عن طلب دمه ليغسل به ما نسب إلي من العار.
ولكن فتياتنا مسكينات ومعذورات، نعم إني أعذرهن وأتألم لهن، ليس ذلك ذنبهن، ولم يك ليدهن في هذه الجناية عليهن من نصيب، وهن يحتملنها ميراثا أليما عن أمهاتهن وجداتهن ... ولا يرحم الزمن شبابهن، بل هو كعادته يريد المصاب مصائبا وذا الألم آلاما، ويرمي على رؤوسهن أثقالا جديدة من الحجب أخشى أن ينؤن بحملها.
يونيه 1910
أنا الساعة عائد من جمعية الطلبة
l’association génrale des etudiants de paris
حيث كنا نستقبل كبير مشايخ كتاب فرنسا الحاضرة: أناتل فرانس.
ازدحمت الصالة بالطلبة وبعض الطالبات ساعة قبل الموعد المضروب لحضور الكاتب الكبير، فكنت لا تجد مكانا خاليا، بل لقد وقف من لم يجد مقعدا في الممرات حتى غصت بهم، فلما وافت الساعة جاء الرجل يحوطه جماعة من كبار العلماء والكتاب في البلد: بول هرفييه والفرد كروازيه إلخ ... وتكلموا، ثم قام هو من بعدهم طويلا نحيفا ناحل الوجه أشيب ضعيف الصوت؛ لذلك فإذا كان لا ينازع في عظمته الكتابية فهو بعيد عن أن يكون متكلما محسنا، وكان أول ما نصح به الشبان أن يفكروا، أن يفكروا كثيرا، أن يفكروا دائما، فمحال أن يفكر إنسان ثم لا يصل إلى نتيجة أيا تكون من تفكيره، والنتيجة الموزونة التي امتحنها الفكر ذات أثر في حياة العالم دائما.
انتقل بعد ذلك إلى الحذر فعده أخس الفضائل وأنقصها؛ ذلك أن الحذر يلازمه الخوف والرعدة والتقهقر، في حين يصل الإنسان بالإقدام إلى كل ما يريد، ومهما يكن في الإقدام من الخطر فإن خطره أقل كثيرا من خطر الحذر.
ونصيحته الثالثة للشبان أن يكونوا كثيري الخيالات والأحلام والأماني، وتلك عندي أغلى نصائحه وأعلاها، تلك هي اللب واللباب من كل قوله.
بالمنى يصل الفرد وتصل الإنسانية إلى أعظم مراتب السعادة، هو الحلم والخيال الذي دفع العالم من حيث كان في درك الهمجية إلى حيث هو من التقدم والعظمة.
صفحة غير معروفة