بالله ما أحلى آية النور! ولئن سرت في حلكة الليل نجوى الغرام وتدثرت الموجودات بدثره فإنما على موجات الضوء مسبح السرور والجمال والجلال.
وما أصدق قولهم إن للنهار عيونا! وما دام الضوء فالنهار قائم، فكم من إنسان اعتاد أن يرى بعينيه في ضوء الكهرباء ما لا مجال معه لغش أو تدليس، ثم إذا هو حلف بعد أول ليله من ليالي الشموع في باريس أن لا يدخل قهوة حتى تدخلها الكهرباء واكتفى أن غش أول ليلة.
واليوم عاد النور وعدنا نسير فيه ومعنا عيوننا فنبصر ما أمامنا.
11 فبراير
أخذت من عطية اليوم هذا الكتاب
عزيزي محمد:
رأيت اليوم الكتاب الذي أرسلته لأبيك، وإني أحمد الله الذي أنجاك من الطوفان من غير أن تلجأ إلى سفينة نوح، لو علمت كم أثارت هذه الحادثة هنا من الوساوس وكم بعثت من الأسى إلى قلوب ومن الشمات لآخرين لما استخففت بها كما استخففت في كتابك الذي أرسلت إلينا، ولكنك في شبابك وسط مدينة الشباب قد نسيت ما تحويه هذه القلوب العجوز التي تحيط بنا.
أظنك تذكر تعلق أخينا ... بقريبته وسعيه للاقتران بها، وهو الآن أشد ما يكون بها تعلقا بل جنونا، تراه يقرأ رواية من الروايات التي تظهر عندنا أو يذهب إلى التياترو فيريد أن يمثل مع (فلانة) كل الفصول التي قرأ أو رأى، ولولا أن الفتاة بعيدة عن يديه لكان قد اختطفها وهرب بها ليمثل بذلك فصلا قرأه في إحدى روايات مسامرات الشعب (على ما أظن) التي ظهرت أخيرا.
الحال السياسية هنا تتموج، والجرائد تصيح لمناسبة ما تقرر من عرض مسألة قنال السويس (فيما يختص بمد أجل الشركة) على الجمعية العمومية، وكل صحفنا إلا القليل مما تعرف تحض على رفض المشروع، ويظهر أن بعضها قد درسه درسا مدققا مسهبا، ويتكلم عن علم (شيء غير عادي في الصحف المصرية)
هذا ولعل الأمور عندك على ما تحب والسلام.
صفحة غير معروفة