فسأله ب. لم كل الناس إذن متدينين؟ ولم ابتدأ التدين من أول الخليقة؟ ... إن كنت تريد بالتدين الاعتقاد فلا شك أن الناس كانوا ولن يزالوا أصحاب اعتقاد؛ ذلك لأنه كما أن للإنسان عوائد في نظامه الجسمي جاءته نتيجة تأثير العالم الخارجي عليه كذلك، فله عوائد في نظامه العقلي جاءته أيضا نتيجة تأثير العالم الخارجي عليه، وانسبكت هذه الآثار بالنسبة لأمة معينة في قالب واحد، وصارت عوائد الأمة العقلية التي يسميها الناس بالعقائد، وهي كعوائدهم الأخرى فيما يختص بالنظام الجسمي أو المادي إن شئت، وأما إن كنت تريد بالأديان ما يراد بها عادة مما جاء به الأنبياء عن طريق السماء؛ فإن ما وصل إليه البحث التاريخي لا يمكن أن يهدينا إلى شيء أكثر من أن الفكر والتدين صنوان توأمان، ولا أحسبك تستشهد علي بما جاء في الكتب السماوية لأنها هي موضع البحث ولا يمكن أن يقوم الشيء المتنازع فيه دليلا للاقتناع بصحة ذاته.
2 سبتمبر
من عطية
عزيزي محمد:
ما أعز أخبارك يا أخي! أنسيتنا ونسيت قريتنا؟ أنسيت مزارعنا الواسعة وغدرانها الصغيرة الجميلة وشمس بلدنا، إن كنت نسيتها فإن هذه الأشياء لا تزال تذكرك، ولا أزال كلما جلست إلى جانب سريرك أو مكتبك أو مكتبتك أحس بها مكتئبة لغيابك.
عمتي ر. تنوي السفر إلى الحجاز هذا العام، وبالرغم من أن الوقت لا يزال طويلا فهي تعد معدات هجرتها، وقد كلفتني حين علمت أني سأكتب إليك أن أسألك إن كنت تستطيع أن تشتري لها «زمزمية» من باريس وألحت في ذلك، ولا أفهم سببا لهذه الفكرة الغريبة.
ويصحبها في سفرها أبويا خليل وعمي الشيخ ف. وقافلة تبلغ العشرين من بلدنا ومجاوراتها، وقد أقوم معهم حتى السويس إن لم يمنع مانع يومئذ.
أختي تهديك السلام وقد سرها ما بعثت لها به من الكرت بوستال، وأهل البلد يذكرونك بخير ويسلمون عليك، واقبل تحياتي.
عطية
3 سبتمبر
صفحة غير معروفة