133

مذكرات الشباب

تصانيف

ثالث كتاب هذا العصر هو مونتسكيو، وهو أقل كتابة من سابقيه بكثير وأشهر ما كتب «الخطابات الفارسية

Les letters persannes » «وكتاب روح الشرائع

L’esprit des lois »، والكتاب الأول نقد للعادات والأخلاق الفرنساوية جاء به على لسان الفرس حتى لا يمسك ذلك عليه أحد.

هؤلاء الكتاب جميعا ساعدوا الظروف الاجتماعية والسياسية التي كانت موجودة تهز جوف فرنسا يومئذ، وكانوا معها من العوامل التي جاءت على إثرها الثورة الفرنساوية، ولقد كان كتاب العقد الاجتماعي لروسو قرآن هذه الثورة يعرفه الناس جميعا ويطالبون بحكومة على المثال الذي يريد، كذلك كان كتاب روح الشرائع من الكتب التي لقيت حظا، ونسج على منوال هذه الكتب غير قليل من الكتاب، وشاع في الأدب هذا النوع من الكتابة الذي أبدعه قلم روسو، وظهر في القرن التاسع عشر جماعة كثيرون نشأوا على منواله، وأهم هؤلاء شاتوبريان

Chateubriand ، فلقد كان ذلك الكاتب الشعري المتحمس المملوء بالخيال على مثال جان جاك، وأظهر كتبا نسج أسلوبها على منوال جان جاك وإن كانت آثار العصبية أشد وضوحا فيها لأن كاتبها كان أكثر تعسا، كان من أصل شريف ثم قذفت به الأنواء فرمته في أمريكا حتى إذا عاد بعد أن قاسى أهوالا عاد بمخيلة قوية وأظهر كل ما رأى بقلم ترعشه أعصاب الكاتب المتوترة، وأخيرا كتب «مذكرات إلى ما بعد القبر» قص فيها تاريخ أيامه وحكى حكم نابليون ووضع الإمبراطور الكبير موضع النقد.

ولقد كان شاتوبريان أشبه في حملته وكبريائه بروسو منه بأي شخص آخر، فكما كان روسو يقول «إني أحسن الناس» كذلك كان شاتوبريان لا يفتأ يضع نفسه في كفة تقابل الكفة التي يضع فيها نابليون.

في هذا القرن التاسع عشر ظهر شعراء فحول بزوا من قبلهم ومهدوا الطريق لنوع من الشعر جديد، أولئك هم لامرتين وفكتور هوجو والفرد دموسيه، وكلهم حقا فريد لا يشق لهم غبار، جاءوا بالخيالات القدسية العالية فوضعها في أجمل لباس من اللفظ وأرقه وأقواه.

ولكنهم يختلفون جميعا في النزعة والخيال الشعري، فبينا لامارتين شاعرا لطبيعة يتسمع على أصواتها ويجد في هزيم العواصف وحفيف الريح وفي الموج والجبال وصفحة الماء النقية وفي القمم العالية وقيعان البحور العميقة وفي الغدران والبحيرات والأشجار والزهر والسماء والأرض، بينما هو يجد في كل ذلك جمالا يثير من نفسه ويهيج عواطفه ويبعث إليه أعذب الشعر، إذا دي موسيه في تعشقه وغزله تتغلب العواطف على أوتار قلبه فترسل إلينا منها رنينا لذيذا يخالطه اليأس والألم، وإذا هو يناجي الليالي في وحدتها فتجيبه أصداؤها بكلمات وآيات، ثم إذا هوجو العالي الصوت القوي الفؤاد رافعا عقيرته يتغنى مرة فيطرب الخليقة ويأسى أخرى فيستبكيها ثم إذا هو أخذته رعشة غريبة فطار في الجو وملأه بندائه ناصرا الحرية طاعنا على الاستبداد ومستثيرا من كل الناس إعجابهم وتصفيقهم.

هؤلاء هم الشعراء المعروفون في القرن التاسع عشر، أما الكتاب فكثيرون وأظهروا مبادئ في الكتابة جديدة انفصلوا بها عن روسو وعن الرومانتيسم الذي بقي معشوقا في ألمانيا.

من أكبر هؤلاء الكتاب جوستاف فلوبير وأميل زولا وأناتل فرانس وبيير لوتي وبول بورجيه وكل أولئك قصصيون، ورنان وتين وفاجيه ولمتر وهؤلاء نقاد مؤرخون، أما الفلاسفة فقد انفصلوا مدرسة وحدهم وأكبرهم في العصر الحاضر ريبو وبرجسون ودركيم.

صفحة غير معروفة