الفصل الأول
أدب اللغة الفرنساوية
ربما كان من الصعب علي، ولم أعن بدرس أدب اللغة عناية خاصة، أن أكتب شيئا عن هذا الموضوع، ولكن ميلي الشخصي له وقراءتي كتبه ودرسي إياه درسا عاما، وحرصي على أن أعطي لقارئ مذكراتي فكرة من الأدب ومنزلته عند قوم عشت بين أظهرهم ما يقرب من الثلاثة أعوام، كل ذلك يجعلني أقدم على أن أكتب كلمة عامة في الموضوع أستسمح القارئ إن وجد فيها شيئا من التقصير أو عدم الدقة.
وإنما يدفعني أكثر مما تقدم لكتابتها ما أعتقد من أن الأدب في كل أمة من الأمم هو روح هذه الأمة، هو النفس المثالية الخالدة التي تمثل أخلاق الناس وميولهم وأهواءهم، وتظهر لنا الصفات العامة المشتركة بينهم وبين غيرهم من الأمم، والمميزات الخاصة بهم المقصورة عليهم.
كما أن مقام الأدب عند الفرنساويين، هذا المقام الرفيع الذي يجعله التاج على رأس هذه الأمة القديمة يجذب النظر إليه ويجعل كل إنسان أيا كان حظه من العلم أو التربية مرغما أن ينظر إلى حياة البلد نظرا خاصا من هذه الجهة؛ فإنك حيث سرت في شوارع باريس، وأي صحيفة من جرائدها قرأت، وفي أي مكان جلست، تجد آثار الأدب ظاهرة واضحة، تجد مراسح التمثيل وتجد الروايات في زجاج باعة الكتب، وتجد النقد الأدبي على صفحات الجرائد وتسمع الناس في القهوات والأندية والمنازل والبارات، وحيث كنت يتكلمون عما ظهر ويظهر من القصص والروايات التمثيلية، ويتكلمون بلهجة المهتم بها المتتبع حركتها، فلا يسعك أمام ذلك كله إلا أن تأخذ بحظ قل أو كثر من هذا الميل العام، وتمد بنظرك وتلقي بسمعك إلى ما يكتب ويقال، وتذهب إلى التياترات لترى التمثيل وطريقته والآراء التي ينطق بها الممثلون، على العموم لا يسعك إلا أن تشارك في الحركة الأدبية.
من أول ذهابي إلى فرنسا وابتدأت أتعلم اللغة الفرنساوية أطالع في قصص وكتب أدبية، وأزور التياترات طلبا للنطق العذب واللسان الفصيح، بين هذه الروايات والقصص وجدت ما كتبته أقلام كتاب معروفين لنا ممن لهم مكانة خاصة في نفسي مثل جان جاك روسو وفلتير، فقرأت مما كتبوا ومما كتب عنهم، وتدرجت منهم إلى قراءة العصريين حتى جاء وقت كنت لا أقرأ فيه كتابا لمؤلف قديم.
وقرأت كثيرا، قرأت مما كتبه شعراء القرن السابع عشر وكتابه وما ألف فلاسفة القرن الثامن عشر حتى وصلت إلى آخر الكتب التي ظهرت حديثا، وفي أثناء قراءاتي كنت آتي على كتب مترجمة عن الروسية والألمانية، وكنت أقرأ بعض الكتب الإنكليزية كما أني اهتممت إلى حد ما بقراءة كتب النقد من قلم (تين) و(لمتر) و(فاجيه) و(أناتل فرانس) وغيرهم.
وما أكتب اليوم للقارئ عن أدب اللغة الفرنساوية إنما جاء نتيجة هذه القراءة فليس بحثا خاصا مرتبا مدققا.
لما حصلت الحركة الدينية الإصلاحية التي قام بها (لوثر وكلفن وكست) في القرن السادس عشر قام إزاءها حركة أدبية أحدثها في فرنسا من الكتاب (رابليه)
Rabelais
صفحة غير معروفة