قام الشخص الآخر قبلي، بقينا من جديد وجها لوجه ومنفردين أنا والموظف المحترم؛ فإذا به يقول عن الحزب الوطني كله (دول جماعة مجانين) بالطبع لم يرقني ذلك الانقلاب السريع، فلم أجب وأغضيت بنظري أن يقع عليه وبذا سكت ولم يستمر في كلامه.
طلب إلي أن يمضي معي عريضة كنت أتكلم بمناسبتها عن تقديم مشروع في مسائل الطلاق لناظر الحقانية، ووجدنا من بعد مع صديق آخر قال إن ذلك المشروع سابق لأوانه فوافقه الموظف، ولما شرحت رأيي للصديق الآخر كما كنت شرحته للموظف وافقني فوافقنا الموظف.
حوادث أخرى كثيرة من هذا الصنف وقعت معه.
ألست محقا أن أقول إن الوظيفة في مثل حكومتنا لها على النفس من الأثر ما يفسده ويضيع أخلاقها.
مسائل الاعتقاد ليست نظريات تبنى على قواعد طبيعية وثابتة كالمصلحة، ولكنها مضاربات نظرية تختلف من فرد لفرد باختلاف فطرة كل واستعداده والمحيطات به وأثر ماضيه عليه؛ لذلك من الصعب محاولة إرغام مفكر على أن يعتقد شيئا لأن الأغلبية تدين به، كما أن من الظلم الفاحش أن يمنع صاحب رأى عن نصرة رأيه مهما خالف الجماعة فيه لأن تكوين العقيدة أو الرأي في رأس المفكر لا يجيء إلا بعد أن يعمل مخه ويتعب أعصابه ويكابد أهوالا، فمن العدل أن يترك له من الحرية ما يجعله يكسب حوله أنصارا أو معززين أو على الأقل أن يتعزى بإظهار ما في نفسه للوجود. •••
يولد كل شيء عندنا قبل أوانه، ها صحافتنا ولدت ونمت في الحين الذي تضر فيه أكثر مما تنفع؛ فهي تصد الكتاب عن التأليف، وترجع المفكرين عن إتمام فكرتههم وتنميتها وتكبيرها حتى تبلغ أشدها بأن تنشر لهم كلمات قد تحوي مبادئ الفكرة، فتبعث بذلك النشر الغرور إلى نفوسهم وتقفهم عند تفكيرهم المبدئي، ولو أنا أرجعنا الصحافة إلى وظيفتها من الخوض فيما يخص الحوادث الحاضرة لرأيت الكثير من صحف مصر تقفل أبوابها؛ لأنها لا تعرف كيف تقوم بواجبها. •••
يعاب علينا جماعة المصريين - وبحق- أن لا ثقة لنا ببعضنا ولا بنفسنا، فيبحث الناس عن أسباب ذلك فيعتقدونها أحيانا في نقص التعليم وأخرى ضعف النفوس، والذي أعتقده أنا سبب ذلك أنا لا نعرف في الواقع طعم المساواة.
1 يناير 1911
اليوم أول يناير، اليوم دخلت سنة 1910 في الفناء وحلت محلها سنة جديدة، انقضت كما انقضى من قبلها غيرها، والزمن يسير دائما يفني عمر الناس ويهرم العالم العجوز.
في مثل هذا اليوم من العام الماضي كنت أسائل نفسي لم الحياة؟ وها أنا أسائلها الآن لم نستعجل الموت وهو منا قريب؟ وهل بين العام القديم والعام الجديد إلا غمضة العين، إلا أنه ليخيل لي أني أستطيع الساعة، وقد انتقلت إلى سنة 1911، أن أقبض بيدي على عام 1909 كأنه إلى جانبي، أو كأنه لم يدخل مع الأموات في حفرهم.
صفحة غير معروفة