وأجاب سام: «نعم يا سيدي.» وهو يغلق الباب، ويبقي يده على الأكرة.
قال: «هل تعرف ... ما يسمى ... بماذا؟ بحي الأطباء؟» - «نعم يا سيدي.» - «أين هو؟» - «بحضرة كنيسة القديس بولس يا سيدي، وهناك باب مقوى خفيض على الجانب الذي تقف عنده المركبات، وبائع كتب في ركن منه، وفندق في الركن الآخر، وحمالان في الوسط يعملان في استخراج الرخص.»
وقال السيد: «سمساران للرخص!»
وأجاب سام: «نعم، سمساران للرخص ... وهما يلوحان في حلة بيضاء، ويلمسان قبعتيهما احتراما عند دخولك، ويسألانك: «رخصة يا سيدي، رخصة؟» إنهما لشخصان عجيبان يا سيدي ... ومعلموهما عجيبون أيضا ... وكلاء محامين في محكمة «أولد بيلي»، وهذا كله صحيح لا خطأ فيه.»
وسأل السيد قائلا: «وماذا يعملان؟»
قال: «يعملان ... سبحان الله يا سيدي ... يعملان ما لا يخطر ببال ... يدخلان أشياء في رءوس أناس كبار السن لم يكونوا يحلمون بها في يوم من الأيام ... كان والدي يا سيدي حوذيا ... وكان أرمل أيضا وبدينا لا يصلح لشيء ... سمينا إلى حد غير مألوف ... ماتت زوجته، وتركت له أربعمائة جنيه ... فذهب إلى ذلك الحي لمقابلة المحامي ليسحب النقود ... ذهب في هندام رشيق جدا ... حذاء طويل، ووردة في عروة سترته ... وقبعة عريضة الحاشية ... ولفاعة خضراء ... وجيه جدا ... واجتاز الباب، وهو يفكر فيما عسى أن يفعل لاستثمار ذلك المال ... وإذا السمسار يتقدم نحوه، ويرفع القبعة له ويسأله: «رخصة يا سيدي؟ ... رخصة؟» فيقول والدي: «وماذا تكون هذه؟» فيقول صاخبا: «رخصة يا سيدي؟» ويقول والدي: «أي رخصة تعني؟» فيجيبه السمسار: «رخصة الزواج!» ويقول والدي: «أي زواج! ما فكرت فيه مطلقا.» فيعود السمسار يقول له: «أعتقد أنك محتاج إلى رخصة يا سيدي ...» ويذهل والدي، ويفكر قليلا ثم يقول: «لا ... لا ... إنني كبير في السن ... ومفرط في السمنة إلى حد لا أصلح معه للزواج.» فيقول السمسار: «أبدا والله ... لست كذلك يا سيدي.» ويجيب الوالد: «لا أظن.» ولكن صاحبنا يقول له: «أنا متأكد أنك لست كذلك ... لقد زوجنا سيدا في ضعفي بدانتك في يوم الإثنين الماضي.» ويقول الوالد: «أحقا؟» فيجيب السمسار: «فعلا، وأنت طفل صغير بالنسبة إليه ... من هنا الطريق يا سيدي، من هنا ...» ومشى والدي في إثره كما يمشي القرد المستأنس خلف صاحبه حتى وصلا إلى مكتب منعزل، حيث جلس رجل وسط أوراق قذرة، وصناديق صفيح صغيرة؛ ليوهم أنه مشغول ولديه أعمال كثيرة، ويقول هذا المحامي للسيد الوالد: «تفضل اجلس ريثما أتم تحرير الإقرار.» فيقول أبي: «شكرا لك يا سيدي.» ويجلس وهو محملق البصر، فاغر الفم على سعته، يتأمل الأسماء المكتوبة على الصناديق، ويسأله المحامي: «ما الاسم الكريم؟» فيجيب الوالد: اسمي «توني ولر». فيعود يسأله: «وأية أبرشية تتبع؟» ويقول أبي: «بل سفج.» وهو محل الشراب الذي كان قد عرج عليه في طريقه قبل حضوره، ولم يكن يعرف أية «أبرشيات»، أي والله لم يكن فعلا يعرف، ويسأله المحامي: «وما اسم السيدة؟» فبهت الوالد، ولم يدر بماذا يجيب، قال: «والله لا أعرف.» ويقول المحامي: «لا تعرف! ... كيف هذا؟» ويجيب والدي: «والله لا أدري ... ألا يجوز أن نؤجل مسألة الاسم إلى ما بعد؟» ويقول المحامي: «مستحيل.» وهنا يفكر الوالد لحظة ثم يقول: حسنا، اكتب «مسز كلارك». ويقول المحامي وهو يغمس القلم في الدواة: «أي كلارك؟» فيرد الوالد قائلا: «سوزان كلارك ماركيز أوجرانبي من ناحية دركنج، فهي ستقبلني إذا طلبت ذلك إليها ... أنا لم أقل شيئا لها، ولكني أعرف أنها سترضى بي.» وهكذا تم تحرير الرخصة، والواقع أنها رضيت به، وأدهى من ذلك أنها الآن قابضة على خناقه، وأنا لم أفز بشيء من الأربعمائة جنيه ... حظ سيئ ... أرجوك المعذرة يا سيدي ... كلما ذكرت هذه المظلمة، أجري كالعجلة الجديدة عقب «التشحيم».
وغادر «سام» الحجرة بعد أن وقف لحظة ليتبين هل هو مطلوب لشيء آخر.
وقال السيد: «ولسنا بحاجة إلى تقديمه للقارئ، فهو المستر جنجل بعينه، الساعة التاسعة والنصف ... هذا هو الوقت الملائم ... فلأذهب في الحال ...»
وقالت العمة العانس بدلال ودعابة: «الوقت الملائم ... لأي شيء؟»
قال وهو يضغط يد العمة العانس: «للرخصة يا أعز الملائكة، وإعطاء خبر للكنيسة لكي أدعوك مليكتي غدا ...»
صفحة غير معروفة