ما دار في العربة من حديث وحوادث، أخجل والله من سردها، فكثيرا ما «زغزغ» البيه الكبير سيدي الصغير، وتعدى الحديث إلى الهمس، إلى مد اليد، إلى قول الفتى لصاحبنا: يا شيخ اختشي، العربجي بعدين يلحظ. يا عيني عليك يا حنفي!
وأخيرا انتهينا على خير، واقترح عليه العشاء في مطعم على شرط أن يكون هادئا بعيدا عن ضوضاء الانتقاد وعيون اللوام والعذال، فقصدت مطعم «سلستينو» بالتوفيقية، ودفع الكبير أجرتي بكرم وجود، وكان ما حدث لي الآن مكملا لما كنت أقوله في نفسي «من تعاسة هذه الأمة بشبابها» فكملت حديثي قائلا، والشيوخ أيضا يا سادة.
فشهاب الدين ... من أخيه. «أكل العيش يحب» ولكن خبطتين في الرأس توجع، وفيما رأيته من الحوادث ما يكفي لصد النفس عن العمل، «ربك يتوب علينا وعليك» وكما ستر ما مضى يستر ما بقي، فإلى الملتقى يا زبائني.
حنفي
المذكرة الرابعة عشر
إني أستشهد بكم أيها القراء جميعا بأني كنت دائما بعيدا عن السياسة، وسأظل كذلك، مالي أنا ومال البحر الذي «دوخت» أمواجه «أحسن صبوة»؟
نعم، طالما سمعت من المعجب المطرب أولا يوم كانت الأمة كتلة واحدة، أعجب باتحادها العالم، ورددت صحف أوروبا أخبار الخيبة التي قوبلت بها لجنة ملنرو، كيف تصامت آذان هذه الأمة إزاء نداء الأعضاء العالي؟
وثانيا يوم ابتدأنا نسمع اللهجة الجديدة، أوائل بشائر الخيبة، هذا سعدي، وذلك عدلي، وحضرته ثروتي، وتدفقت الأمواج السياسية من هذه الفتحات، فأصابت من مقاتلنا ما أصابت، ونلنا من أنفسنا أكثر مما نال الأعداء منا.
وثالثا ورابعا وخامسا - أيها القارئ - «قلبي معبعب» وشرفك، وما سمعته يضيق به صدري، ولا ينطق به لساني خوفا مما هددنا به أستاذنا فكري أنه ربما كانت التوصيلة إلى الواحات.
بالرغم من هذا كله، ومع أني عولت على الكتابة بعيدا عن السياسة، لا زال هناك من يعاكسني على صفحات الكشكول، ومن هؤلاء الأديب ابن راشد، يكتب ويغمز ويلمز، وأخيرا يختم مقالته قائلا: «وما رأيك يا حنفي؟»
صفحة غير معروفة