وقد اقتنع صديقي بهذه الآراء ووافقني عليها قائلا: «إن ما تقوله هو الحق، ولكننا كثيرا ما ننساق وراء أوهام أو أكاذيب اجتماعية يصطلح عليها الناس. ومهما اختلفت الآراء في هذا الصدد؛ فالأمر الجوهري في الحياة الزوجية ليس في الغنى أو قلة الغنى، بل هو التوفيق بين الزوجين، فأرجو لك التوفيق في حياتك الزوجية، وأود لك يا صديقي أطيب التمنيات.»
وأستطيع أن أقول عن زوجتي في صدق وتوكيد: إني وجدت فيها، والحمد لله، شريكة حياتي التي عاونتني على توفير الحياة المنزلية السعيدة، وتيسير الهدوء العائلي الذي ساعدني على العمل والإنتاج.
وأخص صفاتها الإخلاص، والعناية بصحتي وراحتي. وأنا من ناحيتي أبادلها حبا بحب، وإخلاصا بإخلاص.
ويتجلى إخلاصها أكثر ما يتجلى عندما أمرض أو أحزن، فإذا أصابني مرض تتمنى حقا لو أنها مرضت بدلا عني، وتعتني بي في مرضي أكثر من عنايتها بنفسها ومن عنايتي أنا بها إذا هي مرضت، وعندما ألاحظ ذلك تقول لي: «إن حياتك أنفع للبلاد من حياتي» - هكذا تقول - فأكبر منها هذا الشعور.
وهي تتشدد معي في اتباع تعليمات الطبيب وأحيانا تلزمني إلزاما باتباعها.
وعندما مرضت بالتيفوئيد سنة 1923 ولزمت الفراش نحو شهرين واشتد بي الخطر، كان الأطباء الذين يعالجونني يقرءون على ملامح وجهها درجة حرارتي قبل أن يقيسوها بميزانهم، ويقولون إن وجهها هو الترمومتر الصادق لحالتي الصحية.
ولما توفيت والدتها سنة 1934 - وكنت في رحلة بأوروبا - عدت في أعقاب الوفاة، فأبت أن تقابلني بملابس الحداد، وقابلتني بملابس بيضاء، وتظاهرت باطراح الحزن وكتمته بين جوانحها، على الرغم من أني حزنت لوفاة أمها الحنون، وعاتبتها على كتمان حزنها.
وهي تطالع كتبي بإمعان، وتقرأ كل ما أقول وأكتب، وتبدي لي أحيانا ملاحظات سديدة ، وتستمع إلى كل أحاديثي بالراديو وتعجب بها، ومرة أو مرتين قالت لي : «حديثك هذه المرة ضعيف.» فقلت مبتسما: «كيف ذلك والناس قالوا لي غير هذا؟» فقالت: «لعلهم يجاملونك، ولكن الحديث ضعيف.» وذكرت الأسباب، فاغتبطت كثيرا لملاحظاتها، وحمدت الله على أنها تراقبني إلى هذا الحد.
وهي تشاركني في اتجاهاتي الوطنية وتشجعني عليها، ولم أرها مرة تتبرم بالسبيل التي سلكتها في الحياة، ولا رغبتني يوما في أن ألحق بركب «الحياة العملية» كما يصفونها.
إنها زوجة مثالية وكفى، وإني لمدين لها إلى حد كبير بتوافري على العمل والإنتاج، وبالراحة والسعادة في حياتي العائلية.
صفحة غير معروفة