165

مذكرات هدى شعراوي

تصانيف

فقد أقامت حضرتها في المفوضية المصرية بواشنطن معرضا للمنتجات المصرية النسوية، كان له أحسن الأثر في نفوس الأمريكيات والأمريكيين الذين لم يكونوا يعرفون مصر إلا من خلال الأقاصيص التي تروى لهم.

وقصدت حضرتها إلى أمستردام؛ حيث مثلت مصر في المؤتمر الدولي الذي عقد في المدينة الهولندية، فرفعت صوتها بالاحتجاج على نير الامتيازات الأجنبية، وطلبت إلى زميلاتها في المؤتمر أن يعملن في بيئتهن على معاونة مصر في سبيل إلغاء ذلك النظام العتيق.

وإنا لنهنئ السيدة شعراوي بعودتها، ونذكر لها ما بذلته أثناء رحلتها من جهود ... راجين أن تتوج كلها بالنجاح ... كما نرجو للسيدة الفاضلة دوام الصحة ودوام عملها في سبيل التحرر النسوي المصري.

الفصل الخامس والثلاثون

مات الزعيم سعد زغلول وأنا موجودة في رحلتي بالخارج، ولم يتح لي بالتالي أن أشارك في وداع هذا الزعيم، وإذا كانت هناك مواقف قد حدثت بيني وبينه فإن هذا لا ينتقص من قدره كأحد رجال مصر الأوفياء.

ولقد كتبت الصحف كثيرا عن سعد باشا بعد رحيله، وعددت مواقفه ومناقبه، سواء تلك الصحف التي كانت تؤيده أو تلك التي كانت تعارضه - وأذكر أن مجلة «روز اليوسف» كتبت تحت عنوان «بين المغفور له سعد باشا وصاحب الجلالة الملك فؤاد»: تقول: لعل أبدع الحفلات التي أقيمت ابتهاجا بعيد جلوس جلالة الملك هي الحفلات التي أقيمت أثناء حكم الوزارة السعدية، فقد اشترك فيها الشعب، وبدت العاصمة في مساء يوم عيد الجلوس كأنها شعلة من نار، وازدحمت الجماهير على جانبي الطريق الذي مر منه الموكب الملكي إلى ميدان باب الحديد؛ حيث أقامت لجنة الاحتفال سرادقا فخما شرفه جلالة الملك بزيارته، ازدحمت الجماهير تحيي الركب الملكي بالتصفيق وهتافها العالي يشق عنان السماء: سعد ... سعد ... ويعيش الملك.

ومرت بين الجموع المتراصة سيارة جلالة الملك، وقد ركب المغفور له سعد باشا إلى يسار جلالته، ولما توسطت العربة ميدان الأوبرا، وكان الزحام هنا على أشده، والهتاف يعلو ويتجمع ثم يتدافع، التفت سعد باشا إلى جلالة الملك وقال: «إنهم يهتفون لجلالتكم.» فأجابه صاحب الجلالة على الفور وهو يبتسم: «هل أنت متأكد؟!»

وكانت حادثة السردار المشئومة، واستقالة الوزارة السعدية، وطلب السلطة البريطانية إلى سعد باشا أن يترك القاهرة ويقيم إلى حين في فندق مينا هاوس.

وزاره ذات يوم في الفندق المذكور نفر من النواب والعيان ودار الحديث حول الحادثة المشئومة ودسائس بعض رجال السراي، والشائعات التي كانت تتناقلها الأفواه في تلك الأيام العصيبة عن البرلمان والدستور والدس للدستور، ورأى سعد باشا أن الحديث يتطور، وأن بعض الألسن بدأت تتكلم بغير ما يجب، فأسكتهم قائلا: «أنا لا أصدق أن جلالة الملك يرضى عن هذه الأفعال، أو يشجع بسكوته على الاستمرار فيها. لقد رأيت من جلالته في أكثر من مناسبة واحدة أنه حريص كل الحرص على صونه، وأن جلالته يعتبر الدستور شجرة من غرس يديه.»

وأضاف قائلا: «وإذا كان في ظواهر الأحوال ما يدعو إلى التأمل أو يدخل على النفس شيئا من سوء الظن، فمن الواجب ألا ينطق اللسان مع الهوى، وأخيرا يحسن بنا أن نقول مع من قال «لعل له عذرا وأنت تلوم!»

صفحة غير معروفة