وانتهت الصحيفة إلى القول: «ومسألة الطلاق ليست أقل من مسألة تعدد الزوجات خطرا. ونحن في غنى عن وصف الشقاء والبؤس المترتب على إلقاء حبل الرجال على غاربهم في هاتين المسألتين، وفي غنى عن القول إن الشقاء والبؤس لا يتناول النساء والأطفال وحدهم بل يتناول الرجال معهم. وهم إذا لم يحسوا به أول ارتكاب هذه الآثام فإنهم يحسون به فيما بعد.
وما دام في مذاهب الشرع السمح الحنيف ما يسمح بهذا التنظيم كما نظم الزواج والتعاقد عليه من قبل، وكما نظمت أشياء كثيرة تنظيما أقره الفقهاء؛ لأن الشرع أقره، فإنا نكرر أن من حقنا ومن الواجب علينا تأييد الاتحاد النسائي في مطالبه، ومن حق الحكومة ومن الواجب عليها أن تعمل لتنفيذ هذه المطالب، وأن تسن القوانين الخاصة بها لتقدم إلى الهيئة التشريعية لإقرارها وإصدارها.»
وكانت صحيفة «الأهرام» قد أجرت معي حديثا بشأن تعدد الزوجات، أكدت فيه أن منع الرجل من الزواج بامرأة ثانية إلا إذا أذن القاضي، يضع عقبة إلى حد ما في طريق ذوي الشهوات من الرجال، ولكن هذا وحده ليس كافيا لدرء ويلات الجمع بين الزوجات، والحل الأمثل هو منع الرجل المتزوج من أن يتزوج بامرأة ثانية إلا في حالة ما إذا كانت زوجته مصابة بالعقم أو بمرض غير قابل للشفاء.
وقد علقت على هذا مجلة «الحسان»، فقالت: «يجب أن يكون قانون الزواج صريحا في نصه بعدم تعدد الزوجات إلا في حالة الضرورة القصوى التي تضطر الرجل أن يأخذ زوجة أخرى؛ لأن الرجل لا يتزوج بامرأة واثنتين إلا لشهوته ومطامعه البهيمية، وبذلك أصبحت المرأة في نظره مثل الثياب تتغير مع الموضات ويجددها بتغير الفصول!»
الفصل الرابع والثلاثون
كنت أريد أن يصل صوت المرأة المصرية إلى كل مكان في العالم، وكنت حريصة على أن تعرف الدنيا كلها ما حققته المرأة المصرية الحديثة من تطور، وكنت أدرك أن هذا كله في صالح مصر وفي صالح القضية المصرية، ولا شك في أن الرأي العام يتجاوب مع مطالب بلد تحققت فيه للمرأة مكانة طيبة، فضلا عن أن هذا يعتبر في حد ذاته دليلا على تطور مجتمع هذا البلد.
وكان قد سبق أن التقيت مع مستر ومسز بيرت تايلور، وهما من الشخصيات المعروفة في المجتمع الأمريكي، وكانا في زيارة إلى القاهرة، فانتهزت هذه الفرصة لدعوتهما للوقوف على تطور المرأة الحديثة، وكان هذا اللقاء مدعاة للتفكير في زيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد شجعني على القيام بهذه الخطوة أن ابنتي كانت متزوجة من محمود سامي باشا، الذي كان يشغل منصب وزير مصر المفوض في واشنطن في ذلك الوقت.
وقد وصلت إلى أمريكا يوم 27 يوليو 1927، وكنت قد أعددت للقاءات واجتماعات في هذه الرحلة، أكشف فيها عن حقيقة أوضاع تخلفها عن الركب الحضاري، ولكن قبل أن أبدأ نشاطي هناك، استقبلني مندوبو الصحف الأمريكية ليسألوني عن قضية تعدد الزوجات ... وقد قلت لهم: إن تعدد الزوجات أمر شرعي في مصر، ولكنه غير مألوف الآن؛ إذ إن أغلب الناس لا يمكنهم تحمل نفقات أكثر من امرأة واحدة، وأضفت أيضا بأن مصر تحاول الآن سن قانون لمنع تعدد الزوجات، وإن وزير الحقانية قدم مشروعا بذلك إلى البرلمان المصري. كذلك فقد تحدثت إلى مندوبي الصحف عن أهمية التعليم بالنسبة للمرأة، وقلت: إنه أكثر أهمية من المطالبة بحقوقهن الانتخابية، وإن كان هذا لا يمنعني من المطالبة بحق المرأة في التصويت في الانتخابات النيابية.
وقد تمثل لي شعور الأمريكيين نحو المصريين في حادثين مختلفين كل الاختلاف. فقد أكرموني الإكرام كله وأحسنوا استقبالي في نيويورك وواشنطن وبخاصة في ديترويت، وكان ذلك فوق ما أستحق، لولا أنني عرفت أن هذا إعلان لشعور العطف نحو مصر، أما في المرة الثانية فقد تجلى ولكن بشكل آخر، فقد رأيت سيدة كبيرة السن تذرف الدموع السخية تأثرا لوفاة الزعيم الجليل سعد باشا زغلول، وخوفا على مصر من بعده، وتأبى قبول العزاء. وقد أشرت إلى هذا في خطابي الذي وجهته إليهم على صفحات جرائدهم. وهذا نصه:
إلى الشعب الأمريكي ...
صفحة غير معروفة