المسألة الرابعة، وهي رعاية الطفل وتقرير من له حق الولاية عليه عند اختلاف الأبوين أو موت أحدهما، من المسائل التي تستدعي النظر في إصلاحها؛ لأننا نرى أن الجاري عليه العمل في القضاء الشرعي ليس وافيا دائما بوضع الطفل تحت مراقبة صحيحة عطوفة ويد باردة تعنى بتربيته تربية صحيحة جسميا وأخلاقيا، وأسوأ الحالات وأبعدها عن الإنصاف حالة وجود أم للطفل مطلقة وغير متزوجة، أي متفرغة للسهر على مصلحة أولادها، ينزع ولدها من حضانتها في سن السبع إن كان ذكرا والتسع إن كانت أنثى، ينتزعون منها وهم في سن أحوج ما يكونون فيها لرعايتها وعنايتها، ينزعون منها وهي أحق الناس برعايتهم وأحن عليهم من أي إنسان، تقضي المحاكم الشرعية بحرمان الأم من أولادها في السن المذكورة مع أنه بمقتضى حكم الشريعة يبقى الولد في حضانة أمه حتى يستغني عن النساء، والبنت حتى تحيض، والإمام مالك نص على أن يبقى الصبي في حضانة أمه حتى يحتلم والبنت حتى تتزوج. فهل يصح، وهذا نص الشريعة ورأي إمام مشهور، أن تكون السابعة أو التاسعة سن الاستغناء عن النساء، وإن صح ذلك محتمل يوم أن كانت الحياة أقل تعقيدا وأقرب إلى البداوة منها اليوم، فهل يصح في العصر الذي نعيش فيه وقد تضاعفت الحاجات وتعددت وسائل التربية وطرق الوقاية الصحيحة؟ المشاهد أنه لا يمكن الاستغناء عن معونة الأم ونصائحها قبل السادسة عشرة، والدليل على ذلك أن الحكومة نفسها جرت على هذه القاعدة وقررت حديثا اعتبار سن الرشد مبتدئا من الحادية والعشرين.
الإصلاح الاجتماعي
ولقد كان ما ينادي به الاتحاد النسائي المصري موضع تقدير الرأي العام. وكانت الصحافة تؤيد المطالب التي ننادي بها، ليس باعتبارها مطالب نسائية وإنما باعتبارها في الواقع مطالبة بالإصلاح الاجتماعي.
وقد كتبت جريدة السياسة اليومية في عددها الصادر بتاريخ 5 ديسمبر 1926 تحت عنوان «الاتحاد النسائي المصري ومطالبه في سبيل الإصلاح الاجتماعي» تقول:
يقوم الاتحاد النسائي المصري برئاسة السيدة الجليلة هدى هانم شعراوي إلى جانب نشاطه السياسي بنشاط اجتماعي بعيد المدى في حياة الأسرة المصرية.
ولم يقف نشاط الاتحاد النسائي عند السعي لتطور العادات القديمة تطورا يكفل سير المرأة في السبيل الصالح ويحول دون الطفرة المفسدة. بل أضاف إلى ما قام به في هذه الناحية والسعي لتطور التشريع في الأحوال الشخصية تطورا يجعله دائما في حدود الشريعة الإسلامية السمحة، على ما أقرها أكابر الفقهاء عليهم رضوان الله مع اتفاقه وحاجات هذا العصر الذي نعيش فيه.
والقراء يذكرون ما تقدم به الاتحاد النسائي في شأن تحديد سن الزواج وما لقيه من نجاح. كما يذكرون مطالبه في شأن الطلاق وتعدد الزوجات وسائر الإصلاحات التي طالب بها ملحا في تحقيقها.
ومن الخطأ تصور هذه الطلبات على اعتبارها نسائية، وهي في الواقع مطالبة بالإصلاح الاجتماعي يشمل النساء والرجال معا ... وهل في الحياة شيء يتأثر به أحد الجنسين ولا يتأثر به الجنس الآخر.
ومضت الصحيفة في مقالها تقول: «ومن الخطأ كذلك النظر إلى هذه المطالب التي تقدمها السيدات نظرة خصومة بين الجنسين، ذلك لأنها كما سبق القول لا تتناول النساء وحدهن بل هي تتناول الأسرة كذلك. والأسرة تجمع الرجل والمرأة والطفل. والأسرة نواة الجماعة، ثم إن تصوير الخصومة بين الرجل والمرأة في الإصلاحات الاجتماعية أو السياسية تصور عتيق أساسه باطل، فالحياة تضمن حتى في التنافس، وأول ما يكون التضامن وأشده وأبعده عن منطقة التنافس، تضامن الرجل والمرأة فهما قوام العائلة. وأنت لا تستطيع أن تتصور عائلة قائمة على التنافس والخصومة بين أعضائها، من غير أن تتصور البؤس والشقاء حليفين لهذا التنافس.»
وواصلت الصحيفة مناقشة بموضوعية، فقالت: «ومن الخطأ النظر إلى هذه المطالب بعين التهاون أو الاستمهال فهي ليست بنت اليوم بل هي بنت سنة 1899 حين تقدم بها المرحوم قاسم أمين في كتابه تحرير المرأة، بل هي أقدم من ذلك عهدا، فقد كان الناس في كل زمان ومكان يطالبون بإصلاح نظام الأسرة وبالعمل لإزالة كل ما يقوم عائقا في سبيل هناءتها وتمكينها من القيام بالواجب الاجتماعي والسياسي العظيم الملقى على عاتق كل فرد من أفرادها. وهبها كانت بنت اليوم، فهي لن تكون كذلك أقل خطورة واستعداء للعناية والاهتمام فليس من ينكر أن لحالة العائلة في مصر اليوم تأثيرا مباشرا على كثير من أمراضنا الاجتماعية، وأن إصلاح هذه الحال يترتب على شفاء هذه الأمراض.»
صفحة غير معروفة