الامر الثاني : إعلم أن الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة ليس منحصرا فيما تقدم في وجه التسمية. بل المسائل الخلافية بينهم كثيرة ، منها مسألة خلط الأفعال فقالت المعتزلة : إنا فاعلون بمعنى أن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة العبد وحدها على سبيل الاستقلال بلا إيجاب بل باختيار ، والأشاعرة أنكروا ذلك فقالوا إن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله تعالى أوجدها ، وليس لقدرتهم تاثير فيها ، بل الله سبحانه أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختيارا.
ونحن نذكر نبذا مما للطرفين من الأدلة ، من دون ما في كل واحد منهما من ترجيح وإنتقاد ، لأن الغرض في المقام تنوير الأذهان والاطلاع على ما لهم من الأدلة لفهم ما أشير إليه في كلام السعد والا فإن المسئلة ذات شجون :
قال في دلائل الصدق شرح نهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلى : «(قال المصنف) المطلب العاشر في أنا فاعلون. إتفقت الامامية والمعتزلة على انا فاعلون ، وادعوا الضرورة في ذلك ، فان كل عاقل لا يشك في الفرق بين الحركات الاختيارية والاضطرارية ، وان هذا الحكم مركوز في عقل كل عاقل ، بل في قلوب الأطفال والمجانين فان الطفل لو ضربه غيره بآجرة تؤلمه فانه يذم الرامي دون الآجرة ، ولو لا علمه الضروري بكون الرامي فاعلا دون الآجرة لما استحسن ذم الرامي دون الآجرة ، بل هو حاصل في البهائم ، قال أبو الهذيل : (حمار بشر أعقل من بشر ، لأن حمار بشر إذا أتيت به إلى جدول كبير فضربته لم يطاوع على العبور ، وإن اتيت به إلى جدول صغير جازه ، لأنه فرق بين ما يقدر عليه وما لا يقدر عليه ، وبشر لم يفرق بينهما ،
صفحة ٢١