بماذا أصفهم وأحليهم، وأي منقبة من الجلالة أوليهم، فهم القوم تجل مناقبهم عن العد والإحصاء، ولا يتعرض لها بالاستيفاء والاستقصاء، ملوك بهم زينب الدنيا وتحلت، وترقت حيث شاءت وحلت، إن ذكرت الحروب فعليهم يوقف منها على الخبر اليقين، أو عدت المآثر فهم في ذلك في درجة السابقين، أصبح الملك بهم مشرق القسام، والأيام ذات بهجة وابتسام، حتى أناخ بهم الحمام، وعطل من محاسنهم الوراء والأمام، فنقل إلى العدم وجودهم، ولم يرع بأسهم وجودهم، وكل ملك آدمي فمفقود، وما نؤخره إلا لأجل معدود.
فأول ناشئة ملكهم، ومحصل الأمر تحت ملكهم، عظيمهم الأكبر، وسابقة شرفهم الأجل الأشهر، وزينهم الذي يعد في الفضائل بالوسطى والخنصر، محمد بن عباد ويكنى أبا القاسم، ابن إسماعيل.
وقال ابن اللبانة يصف المعتضد خاصة، وهو ثاني أمرائهم:
المعتضد أبو عمرو عباد - رحمه الله تعالى - لم تخل أيامه في أعدائه من تقييد قدم، ولا عطل سيفه من قبض روح وسفك دم؛ حتى لقد كانت في باب داره حديقة لا تثمر إلا رءوسا، ولا تنبت إلا رئيسا ومرءوسا.
3
فكان نظره إليها أشهى مقترحاته، وفي التلفت إليها استعمل جل بكره وروحاته، فبكى وأرق، وشتت وفرق، ولقد حكي عنه من أوصاف التجبر ما ينبغي أن تصان عنه الأسماع، ولا يتعرض له بتصريح ولا إلماع.
ويقول المراكشي :
وكان قد اتخذ خشبا في حديقة قصره جللها برءوس الملوك والرؤساء عوضا عن الأشجار التي تكون في القصور، وكان يقول: في مثل هذا البستان فليتنزه. وجملة أمر هذا الرجل أنه كان أوحد عصره شهامة وصرامة وشجاعة قلب، وحدة نفس، كانوا يشبهونه بأبي جعفر المنصور من ملوك بني العباس، وكان قد استوى في فخامته ومهابته القريب والبعيد لا سيما منذ قتل ابنه وأكبر أولاده المرشح لولاية عهده.
وفي كلام المراكشي تفسير قول الفتح: كانت في باب داره حديقة لا تثمر إلا رءوسا!
وقال ابن بسام في «الذخيرة»:
صفحة غير معروفة