وقال مؤلف نفح الطيب بعد نقل طرف من أخبار المعتمد:
وأخبار المعتمد بن عباد، وما رآه من الملك والعز في كل حاضر وباد، وما قاساه في الأسر، من الضيق والعسر وسوء العيش، أمر عجيب يتعظ به العاقل الأريب. وأما ما مدحته به الشعراء، وأجوبته لهم في حالي يسره وعسره، وملكه وأسره، وطيه ونشره، وتجهمه وبشره، فهو كثير، وفي كتب التاريخ منه نظيم ونثير، وقد قدمنا منه في هذا الكتاب ما يبعث الاعتبار ويثير.
7
وقال ابن بسام في «الذخيرة»:
كان للمعتمد بن عباد شعر كما انشق الكمام عن الزهر، لو صار مثله ممن جعل الشعر صناعة، واتخذه بضاعة، لكان رائعا معجبا ونادرا مستغربا ... والعجب من المعتمد أنه مري سحابه في كلتا حالتيه فصاب، ودعا خاطره فأجاب، ولا تراجع له طبع، في الملك ولا بعد الخلع، بل يومه في هذا الشأن دهر، وحسنته في هذا الديوان عشر.
وقال الفتح بن خاقان في قلائد العقيان:
8
ملك قمع العدا، وجمع الباس والندى، وطلع على الدنيا بدر هدى، لم تتعطل يوما كفه ولا بنانه، آونة يراعه وآونة سنانه، وكانت أيامه مواسم، وثغور بره بواسم، ولياليه كلها دررا، وللزمان أحجالا وغررا، لم يغفلها من سمات عوارف، ولم يضحها من ظل إيناس وارف، ولا عطلها من مأثرة بقي أثرها باديا، ولقي معتفيه منها إلى الفضل هاديا، وكانت حضرته مطمحا للهمم، ومسرحا لآمال الأمم، وموقفا لكل كمي، ومقذفا لذي أنف حمي، لم تخل من وفد، ولم يصح جوها من انسجام رفد، فاجتمع تحت لوائه من جماهير الكماة، ومشاهير الحماة، أعداد يغص بهم الفضاء، وأنجاد يزهى بهم النفوذ والمضاء، وطلع في سمائه كل نجم متقد، وكل ذي فهم منتقد، فأصبحت حضرته ميدانا لرهان الأذهان، وغاية لرمي هدف البيان، ومضمارا لإحراز خصل، في كل معنى وفصل، فلم يرتسم في زمامه إلا بطل نجد، ولم يتسق في نظامه إلا ذكاء ومجد، فأصبح عصره أجمل عصر، وغدا مصره أكمل مصر، تسفح فيه ديم الكرم، ويفصح فيه لسانا سيف وقلم، ويفضح الرضي في وصفه أيام ذي سلم.
9
وكان قومه وبنوه لتلك الحلبة زينا، ولتلك الجملة عينا، إن ركبوا خلت الأرض فلكا يحمل نجوما، وإن وهبوا رأيت الغمام سجوما، وإن أقدموا أحجم عنترة العبسي، وإن فخروا أقصر عرابة الأوسي. ثم انحرفت الأيام فألوت بإشراقه، وأذوت يانع إيراقه، فلم يدفع الرمح ولا الحسام، ولم تنفع تلك المنن الجسام، فتملك بعد الملك، وحط من فلكه إلى الفلك.
صفحة غير معروفة