360

المعتمد في أصول الفقه

الناشر

دار الكتب العلمية

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٣

مكان النشر

بيروت

فَأَما إِذا تعَارض قَوْله وَفعله من وَجه دون وَجه فمثاله نَهْيه ﷺ عَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها للغائط وَالْبَوْل وجلوسه لقَضَاء الْحَاجة فِي الْبيُوت مُسْتَقْبل بَيت الْمُقَدّس وَذَلِكَ يحْتَمل أَن يكون مُبَاحا فِي الْبيُوت لكل أحد وَيحْتَمل أَن تكون إِبَاحَته خَاصَّة بِالنَّبِيِّ ﷺ وَيحْتَمل أَن يكون نَهْيه ﷺ عَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها عَاما لأمته فِي الْبيُوت والصحارى وَيحْتَمل أَن يكون خَاصّا فِي الصحارى وَقد اخْتلف النَّاس فِي ذَلِك من غير تَفْصِيل فَعِنْدَ الشَّافِعِي أَنه مَخْصُوص بِفِعْلِهِ وَعند الشَّيْخ أبي الْحسن أَنه يَنْبَغِي أَن يجرى نَهْيه على إِطْلَاقه ويخص فعله بِهِ ﷺ وقاضي الْقُضَاة يتَوَقَّف فِي الْمَسْأَلَة وَاعْلَم أَن قَوْله ﷿ ﴿لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة﴾ وَقَوله ﴿فَاتَّبعُوهُ﴾ مَعَ استقباله بَيت الْمُقَدّس فِي الْبيُوت معَارض لنَهْيه عَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة لغائط أَو بَوْل فَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَرض بِأَحَدِهِمَا على الآخر إِلَّا لوجه يتَرَجَّح بِهِ أَحدهمَا على الآخر وَلَيْسَ يجوز أَن يتَرَجَّح نَهْيه على فعله من حَيْثُ كَانَ قَوْله يتَعَدَّى إِلَيْنَا بِنَفسِهِ وَفعله لَا يتَعَدَّى إِلَيْنَا بِنَفسِهِ لِأَن إِن اعْترض بنهيه عَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَجب أَن يخص بِهِ قَول الله ﷿ ﴿لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة﴾ وَهَذَا قَول فيتعدى إِلَيْنَا بِنَفسِهِ وَالْأولَى أَن يُقَال إِن نَهْيه أخص من قَول الله ﷿ ﴿لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة﴾ فَكَانَ وُقُوع التَّخْصِيص بِهِ أولى فان قيل فعله أخص من هَذَا النَّهْي لِأَن نَهْيه عَام فِي الْبيُوت والصحارى وَفعله يخْتَص بِالْبُيُوتِ فَكَانَ الِاعْتِرَاض بِهِ أَحَق قيل فعله لَا يتَعَدَّى إِلَيْنَا فَهُوَ وَإِن كَانَ أخص بِالْبُيُوتِ فَلَيْسَ يتَعَدَّى إِلَيْنَا فان قيل فعله مَعَ قَول الله ﷿ ﴿لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة﴾ أخص من هَذَا النَّهْي فَوَجَبَ

1 / 361