ويخرج عندي في كل ذلك معنى السعة في الضرورات بمعاني الاتفاق والاختلاف، ولا يخلو كله في ثبوت معاني الاختلاف فيه ما سوى لحوم البشر، فإن لحوم البشر قد جاء في معاني تحريمها في حال السعة والضرر الصحيح، من منصوصات الخبر والثابت من محكمات الأثر، ولا أعلم في ذلك اختلافا أنه لا يجوز أكل لحوم البشر لا في سعة ولا في ضرورة، ممن آمن منهم أو كفر، أو ممن أنكر منهم أو أقر، أو من الصغار منهم أو الكبار، سواء كان مباحا قتله أو محجورا، فإنه لا يجوز مطلقا أكل لحوم جميع هؤلاء - فيما قيل - لا في سعة ولا في اضطرار، ولا أعلم في ذلك اختلافا.
ومعاني أحكام الدليل في ذلك على تحريمه، أنهم هم المخاطبون بمعنى التحليل والتحريم، في جميع المحللات والمحرمات فيما سواهم، ولا يجوز ولا يحتمل في معاني العقول إطلاق المتعبدين لبعضهم بعضا، بوجه من الوجوه، ولا بمعنى من المعاني، إذا كان كل واحد منهم مخاطب بنفسه ومحجور عليه النظر قي نفسه لنفسه، ولا لغيره بغير ما أوجب الله -تعالى -، في معنى الحقوق الثابتة.
ولا أعلم في شيء من الأديان، ولا مع أحد من أهل الأديان ولا من أهل الشرك، ولا من أهل الإيمان، استجاز أكل لحوم الإنسان، بل إن النصوص القرآنية تفيد التحريم مطلقا،إذ شبه النص القرآني الغيبة كأنها أكل معنوي،ثم بينه أنه غير مقبول شرعا ولا عقلا، ومعاني الاتفاق من شواهد
العقول، وأحكام الكتاب وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وإجماع جميع أهل العقول، يتواطأ معي على هذا، وهو أن أكل لحوم البشر من الأحياء والأموات محجورة محرمة،في جميع السعات والضرورات، وغير مقبولة على أي حالة كانت، ولا أعلم في ذلك سعة ولا مساغا، من قول أحد من أهل البصر، فافهم معاني ذلك، والله الموفق بمنه وفضله إلا بما يستحقه العبد، في متقدم له في -حكم قضاء الله وعدله.
-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-= -=-
الرد 21 الكاتب: العلامة المحقق الشيخ أبو سعيد محمد بن سعيد الكدمي
صفحة ٨٠