فحال منها أنها في جملة الطواهر في جميع هذا، أنها لم يثبت تحريمها، وهي حلال في الأصل لمعنى قول الله - تبارك وتعالى -: ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلأ أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا-أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم)1. وقوله تعالى: ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم)2. و إنما كان معنى تحريم هذا وتحليله في الدواب من المطاعم ليس لأنه لم يحرم الله إلا هذا من المحرمات، فقد حرم غير هذا من المناكح والربا، وغير ذلك من المحرمات، وإنما المعنى في تحريم هذا المستثنى من جميع الدواب والطير أنه محرم، وما سوى ذلك من اللحوم من جميع الدواب البرية من ذوات الدماء الأصلية إذا كانت مذبوحة ذكية بوجه من الوجوه، التي تصح ذكاتها به، من نحر أو صيد أو ذبح، وكل ما كان أصله حلالا كان جميع ما كان فيه من ذاته طاهرا حتى يصح تحريمه ونجاسته، بوجه يخرجه من حال صحة الاستثناء عن المحرمات، والخروج منها.
فهذا معنى قول من قال معي: إن أسوار هذه الدواب من السباع وهذه النواشر من الطير من ذوات المخالب ومن ذوات الناب، أنها كسائر الدواب من الطاهرات إلا ما ثبت فيها لمعنى النشر والنهش للمحرمات من الميتة، ومثلها من أكل الدواب بغير ذكاة، وعرف بذلك فثبت فيها لمفارقتها للطواهر من الأنعام وما أشبهها، والخيل والبغال وما أشبهها، فساد أبوالها وخبثها، وما كسائر ذلك من معانيها فكسائر الطواهر من هذه الدواب.
صفحة ١٢٢