يقول: يساعدني فيما أطلبه فرسي السبوح، وتقتحم معي الغمرات والشدائد، مرة بعد مرة، ثم وصف فرسه فقال: لها منها عليها شواهد أي لها من خلقها شواهد على عتقها. يعني إذا نظرت إلى حسن أعضائها استدللت على كرمها. وقيل: إن الضمير في لها للسبوح وفي منها وعليها للغمرة. يعني بهذه الفرس شواهد من هذه الغمرة التي خاضتها، وهذه الشواهد التي لها، تشهد على الغمرة بأنها قد خاضتها، وهي آثار الطعن.
وعيب عليه في الجمع بين حروف الجر، والكنايات المتناسبة ولا مطعن عليه. ومثله: في القرآن العظيم قوله تعالى: " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا "، " وَلِيَ فِيهَا مآرِبُ أَخْرَى " وفي الشعر قول الكميت:
إنّ ابن حزم عمرو من ذوى كرمٍ ... لي فيه منه علاماتٌ وآثار
تثنّى على قدر الطّعان كأنّما ... مفاصلها تحت الرّماح مراود
المراود جمع مرود، وهو الحلقة التي في رسن الدابة، يكون فيها مسمار يدور عليها ذلك، فذلك المسمار هو المرود.
يقول: إنها تتمايل وتتصرف بفارسها عند المطاعنه، على حسب ما يحتاج إليه الفارس، فكأن مفاصلها تحت الرماح: المرود الذي يدور في الحلقة، أو تدور الحلقة حيثما أديرت.
وقيل: المرود: هو الذي يكحل به، وهو الميل. فيكون من باب المقلوب ومعناه: كأن الرماح تحت مفاصلها المراود.
والمقصد في الوجهين وصفها بلين المفاصل، وجودة الانعطاف عند الجولان والطعان.
وأورد نفسي والمهنّد في يدي ... موارد لا يصدرن من لا يجالد
والمهند السيف المطبوع، على مثال سيوف الهند. من لا يجالد أي من لا يحارب، ولا يجيد الضرب بالسيف.
يقول: إني أورد نفسي - وسيفي في يدي - موارد الحرب التي لا يسلم منها إلا كل شجاع فاتك مجيد الضرب.
ولكن إذا لم يجمل القلب كفّه ... على حالةٍ لم يحمل الكفّ ساعد
الهاء في كفه يعود إلى من في قوله: من لا يجالد.
يقول: الرجل إذا لم يكن له قلب يحمل كفه لم يحملها ساعده، لأن القوة والشجاعة من القلب.
خليليّ إنّي لا أرى غير شاعر ... فلم منهم الدّعوى منّى القصائد؟
يقول: كلمن أرى يدعي أنه شاعر، ولكنما بلهم اقتصروا على مجرد الدعوى، ولم يشاركوني في المعنى كما يشاركوني في الاسم.
فلا تعجبا؛ إنّ السّيوف كثيرةٌ ... ولكنّ سيف الدّولة اليوم واحد
يقول: لا تعجبا من حالنا، فأنا واحد في الشعر، وغيري مدع، كما أن السيوف كثيرة، وليس شيء، منها كسيف الدولة، فهو واحد بين السيوف. يعني أنه في الشعر كسيف الدولة في الأمراء، وقوله: اليوم زائدة.
له من كريم الطّبع في الحرب منتض ... ومن عادة الإحسان والصّفح غامد
يقول: الكرم يبعثه على المحاماة في الحرب والذب، فينتضى من غمده على الأعادي، وله عادة الإحسان والصفح عن المذنب. وذلك يحثه على العفو.
ولمّا رأيت النّاس دون محلّه ... تيقّنت أنّ الدّهر للنّاس ناقد
يقول: لما رأيت سيف الدولة أعلى الناس محلا، ورأيتهم دونه، علمت أن الدهر ناقد، ينزل كل أحد منزلته.
أحقّهم بالسّيف من ضرب الطّلى ... وبالأمر من هانت عله الشّدائد
يقول: أحق الناس بأن يسمى سيفا: من يضرب رقاب الأعداء، فيعمل عمل السيف، وأولاهم بالأمر والنهي: من تسهل عليه شدائد الزمان، وليس كذلك إلا سيف الدولة، فلهذا اختص بهذا الاسم، وتفرد بالأمر والنهي.
وقيل: معناه أحقهم بأن يكون صاحب السيف، من يضرب رقاب الأعداء ومن يتحمل شدائد الدهر، أولى بالأمر. وروى: بالأمن بالنون.
وأشقى بلاد الله ما الّروم أهلها ... بهذا وما فيها لمجدك جاحد
ما الأولى: بمعنى الذي أي الروم أهلها. وما الثانية: للنفي. والضمير في أهلها وفيها يعود إلى معنى ما الأولى، لأنه بمعنى البلدة والأرض. ولمجدك جاحد هذا مثل قوله تعالى: " حَتَّى إذا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْن بِهم " ومثل قول جرير:
متى كان الخيام بذي طلوح ... سقيت الغيث أيّتها الخيام
استفهم أولا عن الغائب، ثم عدل إلى الخطاب.
وفي إعراب البيت خلل، لأنه إن حمل على أنه فصل بين أفعل، وما هو من تمامه، بخبر الابتداء، وهو قبيح، لأنه قال: أشقى بلاد الله ما الروم أهلها بهذا.
وتأويله: أن قوله: بهذا متعلق بمحذوف يدل عليه أشقى، أي شقوا بهذا.
1 / 262