يجوز في غصنٌ أن يكون مبتدأ، وخبره محذوف، وتقديره: حبيبتي، غصن هذه صفته، وهكذا التقدير في شمس النهار، وأراد بالغصن: قدها، والنقوى: تثنية النقا: وهو الكثيب من الرمل، وعني بهما ردفيها، وبشمس النهار: وجهها، وتقل: تحمل، والليل المظلم: شعرها.
لم تجمع الأضداد في متشابهٍ ... إلا لتجعلني لغرمي مغنما
أراد بالأضداد ما تقدم في البيت المتقدم من دقة وسطها، وثقل ردفيها، وبياض وجهها، وسواد شعرها، في متشابه أي بدن متشابه، أي يشبه بعضه بعضًا في الحسن، وليس بعضها أحسن من بعض، والغرم: ضد الغنم وأصله اللزوم.
يقول: إنها لم تجمع هذه الأضداد في بدن متشابه في الحسن، إلا لتجعلني لغرمي: أي لعشقي إياها غنيمة، فتجمع علي هذين الضدين أيضًا، وهما: المغرم والمغنم، وروى: لم تجمع الأضداد لأنها لم تجعل ذلك، فبنى على ما لم يسم فاعله.
كصفات أوحدنا أبي الفضل التي ... بهرت فأنطق واصفيه وأفحما
أي صفات هذه المرأة في اشتمالها على هذه الأضداد، كصفات هذا الممدوح المشتملة على أمرين ضدين: أحدهما: أنها أنطقت الواصفين بذكرها.
والثاني: أنها أفحمت الواصفين دون إدراك غاياتها، وروى المتنبي: أنطقهم بجزيل العطاء، وأفحمهم بالقصور عن المدح والثناء. فعلى هذا نصب واصفيه، بأنطق، وقيل: تقديره كصفات أبي الفضل التي بهرت واصفيه. فأنطق: هو وأفحم.
يعطيك مبتدئًا فإن أعجلته ... أعطاك معتذرًا كمن قد أجرما
يقول: يعطيك مبتدئًا بالعطاء قبل السؤال، فإن استعجلته العطاء، أعطاك معتذرًا، كمن قد أذنب.
ويرى التعظم أن يرى متواضعًا ... ويرى التواضع أن يرى متعظما
المعنى: أنه يرى بلوغ عظمته في التواضع للناس، ويرى التذلل في حال رؤية الناس إياها متعظمًا.
نصر الفعال على المطال كأنما ... خال السؤال على النوال محرما
الفعال بفتح الفاء: الفعل الجميل.
يقول: ينصر الفعل الجميل على المطال ويجعل له الغلبة، حتى كأنه ظن السؤال محرمًا، وروى: على المقال وهو: إما السؤال، وإما وعد الممدوح بالعطاء، فكأنه يقول: يقدم العطاء على السؤال وعلى الوعد.
يا أيها الملك المصفى جوهرًا ... من ذات ذي الملكوت أسمى من سما
يقول: يا أيها الملك المصفى، يا أسمى، وأراد ذات الله تعالى: الذي هو ذو الملكوت، وهذا ظاهره يوهم الكفر ويقال: إن هذا الممدوح كان نصرانيًا فأظهر الإسلام وهو متهم بالتنصر، فأراد أن يستكشفه عن مذهبه فأورد عبارات النصارى على وجه الانتحال، وغرضه استكشاف حاله ووصف منهجه، فعلى هذا لا يلزم الكفر، ويجوز أن يحمل على أن المراد بالذات: الصنع، فكأنه قال: يأيها الملك المصفى جوهرًا من صنع ذي الملكوت، وأراد بذلك تعظيمه وتفضيله. وقوله: أسمى من سما يجوز أن يكون في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف، فكأنه يقول أنت أعلى من علا، ويجوز أن يكون في الجر صفة لذات ذي الملكوت، أو الذات أو الملكوت، أي أنه أعلى من كل علًا في الأرض.
وروى عنه أنه قال: نعوذ بالله تعالى من الكفر، إنما قلت جوهرًا وبينهما تضمين يزيل الظن.
نورٌ تظاهر فيك لاهوتيةً ... فتكاد تعلم علم ما لن يعلما
تظاهر: أي تولى. ولاهوتيةً: نصب على المصدر كما يقال: إلهية وروى لاهوتيه ويكون رفعًا لأنه فاعل تظاهر، وهذا، إذا حمل على ظاهره فلا يسلم من الكفر، فيحمل حينئذٍ على أنه أراد به أن النور الذي تفرد به هذا الممدوح نور إلهي. كما يقال: أمر سماوي وإلهي فيكاد يعلم ما لم يعلم من أجل هذا النور، فكأنه يقول: إنك مؤيد بنور، لأجله تقرب من أن تعلم ما لا يعلمه أحدٌ من الأمور.
ويهم فيك إذا نطقت فصاحةً ... من كل عضو منك أن يتكلما
يقول: يهم كل عضو منك إذا تكلمت لفرط فصاحتك.
أنا مبصرٌ وأظن أني نائمٌ ... من كان يحلم بالإله فأحلما
يقول: أنا مبصرٌ بعيني وأظنني نائمًا، من استعظام ما رأيت من هذا الرجل من العظائم والأمور العجائب!! ثم قال: من كان يحلم بالإله فأحلم أنا أيضًا! أي أنه لا يمكن أن يرى في المنام لأنه لا يشبهه شيء فشبه هذا الممدوح بما لا يجوز التشبيه به فقال: لا أدرك كنه وصفك، كما لا يدرك حقيقة ذات الباري تعالى. وهذا إفراط منكر قريب من الكفر.
1 / 11