المعين على تفهم الأربعين ت دغش
محقق
الدكتور دغش بن شبيب العجمي
الناشر
مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
مكان النشر
حولي - الكويت
تصانيف
في حديث أبي هريرة بقوله "أنْ تَخشى الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ" (١) فَعَبَّرَ عن المُسَبِّبِ باسم السَّبَب تَوَسُعًا، ثم الألف واللام في "الإحسان" المسؤول عنه المعهود المذكور في قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦]، و﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: ٦٠]، ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥] فلَمَّا تكَرَّرَ الإِحْسَانُ في القُرآن في غيرِ آيٍ، ورَتَّبَ عليهِ هذا الثواب الجَسيم، سأل عنهُ الرُّوح الأمين، فأجابَهُ لِتَعْمَلَ بهِ أُمَّته، فيفوزوا بالأَجْرِ الجَسِيم، فقال: "الإحسَان: أن تَعْبُدَ اللهَ" إلى آخره (٢).
وهوَ مِن جَوامِعِ كلِمِه الذي أُوتيَها؛ لأنَّهُ لو قَدَّرْنا أن أحدًا قامَ في عبادةٍ وهو يُعاين ربَّهُ -تعالى- لم يترك شيئًا مما يَقْدِرُ عليه مِن الخُضوع والخشوع وحُسن الصَّمت، واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن الوجوه إلَّا أَتَى بهِ، فقال: اعبد الله في جميع أحوالك كعبادته في حال العيان، فإنَّ التَّتميم المذكور في حال العيان إنما كان لِعِلم العَبْدِ باطّلاع ربّه عليه ﵎، فلا يُقدِم على تَقصِير في هذا الحال إلَّا اطلع عليه، وهذا المعنى موجودٌ في عدَم رؤية العبد، فينبغي أن يعمل بمقتضاه.
فمقصود الكلام: الحثُّ على الإخلاص في العبادة، ومُراقبة العبدِ ربَّهُ ﵎ في إتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك.
وقد نَدَبَ أهلُ الحقائق إلى مُجالسة الصَّالِحين ليكون ذلك مانِعًا مِن تَلَبُّسِهِ بشيءٍ مِن النَّقائِصِ احتِرَامًا لهم واستحياءً منهم، فكيف بمن لا يزال الله ﵎ مُطَّلِعًا عليه في سِرِّه وعلانيته (٣).
_________
(١) رواه البخاري (١/ ١٩ رقم ٥٠)، ومسلم (١/ ٤٠ رقم ١٠).
(٢) هذا الوجه "الحادي والعشرون" مستفَادٌ مِن "المفهم" (١/ ١٤٣ - ١٤٤).
(٣) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١/ ٢٧٢)، و"الفتح" لابن رجب (١/ ٢١١ - ٢١٥).
1 / 112