معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
بدون طبعة وبدون تاريخ
تصانيف
الفقه الحنفي
مِنْهُ بِسَرِقَةٍ وَكَانَ صَاحِبُهُ فِي السَّفَرِ.
رَوَاهُ بَعْضُهُمْ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ " «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ.
وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَانًا فَيَجْمَعُونَ حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فَأُحَرِّقَهُمْ عَلَيْهِمْ» وَاخْتُلِفَ هَلْ هَذَا فِي الْمُؤْمِنِينَ أَوْ الْمُنَافِقِينَ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي الْمُؤْمِنِينَ لِقَوْلِهِ ﵊ " فِي بُيُوتِهِمْ " وَالْمُنَافِقُونَ لَا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى -: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: ١٤] وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ " لَقَدْ هَمَمْتُ " تَقْدِيمُ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَى الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسَدَةَ إذَا ارْتَفَعَتْ وَانْدَفَعَتْ بِالْأَخَفِّ مِنْ الزَّوَاجِرِ لَمْ يَعْدِلْ إلَى الْأَعْلَى.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي جَارًا يُؤْذِينِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إلَى الطَّرِيقِ، فَانْطَلَقَ فَأَخْرَجَ مَتَاعَهُ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إلَيْهِ فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: لِي جَارٌ يُؤْذِينِي، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ اللَّهُمَّ أَخْرِجْهُ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: ارْجِعْ إلَى مَنْزِلَكَ فَوَاَللَّهِ لَا أُوذِيكَ» وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابَةِ ﵃ قِتَالُ أَبِي بَكْرٍ ﵁ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ وَاجْتِهَادُهُ فِي الْحُكْمِ بِقِتَالِهِمْ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ أَمَرَ بِتَحْرِيقِ قَصْرِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُ احْتَجَبَ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ، وَصَارَ يَحْكُمُ فِي دَارِهِ، وَأَمَرَ أَيْضًا بِتَحْرِيقِ حَانُوتِ رُوَيْشِدٍ الثَّقَفِيِّ الَّذِي كَانَ يَبِيعُ الْخَمْرَ فِيهِ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فُوَيْسِقٌ وَلَسْتَ بِرُوَيْشِدٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ﵁ لَمَّا خَافَ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْقُرْآنِ وَيَفْتَرِقَ النَّاسُ فِيهِ أَمَرَ بِتَحْرِيقِ الْمَصَاحِفِ وَجَمَعَ الْأُمَّةَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ لِمَا رَأَى لَهُمْ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَرَأَوْا ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْأُمَّةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا فَعَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁ لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ فِي أَثَرِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ كِتَابًا وَجَعَلَ لَهَا عَلَيْهِ جَعْلًا عَلَى أَنْ تُوَصِّلَهُ إلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ فِي الْكِتَابِ بِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْمَسِيرِ إلَيْهِمْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَجَاءَ الْخَبَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ فِي أَثَرِ الْمَرْأَةِ حَتَّى أَدْرَكَاهَا فَاسْتَنْزَلَاهَا وَالْتَمَسَا فِي رَحْلِهَا الْكِتَابَ فَلَمْ يَجِدَا شَيْئًا، فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ ﵁: أَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَا كَذَبْنَا، وَلَتُخْرِجِنَّ هَذَا الْكِتَابَ أَوْ لَنَكْشِفَنَّكَ، فَلَمَّا رَأَتْ الْجَدَّ مِنْهُ اسْتَخْرَجَتْ الْكِتَابَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا وَكَانَتْ قَدْ جَعَلَتْهُ فِي شَعْرِهَا وَفَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا فَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ، فَأَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَاعْتَذَرَ حَاطِبٌ بِإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مُصَانَعَةً لَهُمْ لِمَا لَهُ عِنْدَهُمْ مِنْ وَلَدٍ وَأَهْلٍ وَمَالٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: ١] الْآيَةَ، فَالطَّرِيقُ الَّذِي اُسْتُخْرِجَ بِهَا الْكِتَابُ مِنْ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ التَّهْدِيدُ وَالْإِرْعَابُ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ فِي بَعْضِ الْحُكُومَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ دَفَعَا إلَى امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَدِيعَةً وَقَالَا لَهَا: لَا تَدْفَعِيهَا إلَى وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ، فَلَبِثَا حَوْلًا وَجَاءَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: إنَّ صَاحِبِي قَدْ مَاتَ فَادْفَعِي إلَيَّ الدَّنَانِيرَ، فَأَبَتْ وَقَالَتْ: إنَّكُمَا قُلْتُمَا لِي: لَا تَدْفَعِيهَا إلَى وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ، فَتَشَفَّعَ إلَيْهَا بِأَهْلِهَا وَجِيرَانِهَا وَتَلَطَّفَ بِهَا حَتَّى دَفَعَتْهَا إلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: ادْفَعِي إلَيَّ الدَّنَانِيرَ فَقَالَتْ: إنَّ صَاحِبَكَ جَاءَ وَادَّعَى أَنَّكَ قَدْ مِتَّ وَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ، فَتَرَافَعَا إلَى
1 / 172