معاوية بن أبي سفيان

عباس محمود العقاد ت. 1383 هجري
49

معاوية بن أبي سفيان

تصانيف

فصل المقال، وما نرى أن الملهاة كلها كانت مدبرة؛ لكي تنتهي إلى خاتمة أخطر من هذه الخاتمة، وماذا عليهم إذا استطال الموتورون بالمقال وهم يستطيلون بالسلطان؟ •••

إلا أن حديثا واحدا من أحاديث بني هاشم يخالف هذا النمط، ولا يستقيم مع سائر هذه الأحاديث، فلم يكن البادئون به من جلساء معاوية، ولا من آل البيت، ولكن البادئ به معاوية نفسه على نحو لا يشبه طريقته المأثورة من التقية

19

والمداراة، وليس فيه نفع له في شأن من شئون الملك، أو خاصة من خواص أمره تستوجب ذلك الحديث.

قيل: إنه تحدث إلى ابن عباس، فقال له: إن في نفسي منكم لحزازات

20

يا بني هاشم، وإني لخليق أن أدرك فيكم الثأر وأنفي العار، فإن دماءنا قبلكم وظلامتنا فيكم، فقال له ابن عباس: والله إن رمت ذلك يا معاوية لتثيرن عليك أسدا مخدرة وأفاعي مطرقة، لا يفثأها كثرة السلاح ولا تعضها نكاية الجراح، يضعون أسيافهم على عواتقهم، ويضربون قدما قدما من ناوأهم ...

إلى أن قال في رواية الرواة: «فلتكونن منهن بحيث أعددت ليلة الهرير للهرب فرسك، وكان أكبر همك سلامة حشاشة نفسك، ولولا طغام من أهل الشام وقوك بأنفسهم وبذلوا دونك مهجهم ... ورفعوا المصاحف مستجيرين بها وعائذين بعصمتها لكنت شلوا مطروحا بالعراء ... وما أقول هذا لأصرفك عن عزيمتك، ولا لأزيلك عن معقود نيتك، ولكنها الرحم تعطف عليك، والأواصر توجب صرف النصيحة إليك.» فقال معاوية: لله درك يا بن عباس، ما تكشفت الأيام منك إلا عن سيف صقيل ورأي أصيل، والله لو لم يلد بنو هاشم غيرك لما نقص عددهم ولو لم يكن لأهلك سواك لكان الله قد كثرهم. •••

وإن دواعي الشك في مثل هذا الحديث لكثيرة، لولا أن التلفيق فيه أعسر من أن يتاح لكل راوية يضع الكلام على كل لسان، ولا يبالي أين موضعه من القائل والمجيب.

فإن كان معاوية قائلا مثل ذلك المقال لأحد من بني هاشم؛ فإنما يقوله لعبد الله بن عباس دون غيره، فإنه حديث داهية يسبر

صفحة غير معروفة