الشباب، وحب الاستطالة
3
بالعزة والسؤدد على عادة أترابه وأنداده، ولكن الرأي بين آل بيته «المحنكين» أنه كان يبالغ في احتمال الأذى والصبر على المساءة، وكان رجل في حنكة عبد الملك بن مروان يسمي ذلك منه دهانا، كما قال في بعض خطبه: «ما أنا بالخليفة المستضعف يعني عثمان، وما أنا بالخليفة المداهن يعني معاوية، وما أنا بالخليفة المأفون يعني يزيد.»
ومما يدل على أن الفخر بالحلم دخل في دعاية الخصومة بين معاوية وعلي خاصة؛ أننا لا نسمع به بعد تأسيس الدولة، ولا يفخر به أحد من الأمويين غير الفرع المؤسس لدولتهم في إبان النزاع الأول على الخلافة.
فالمعلوم أن بني أمية فرعان: فرع حرب، وفرع أبي العاص. وإلى حرب ينتمي أبو سفيان وابنه معاوية، وإلى أبي العاص ينتمي مروان بن الحكم ومن خلفه من ذريته، وفي مقدمتهم ابنه عبد الملك وحفيده سليمان بن عبد الملك. •••
فالمفاخرة بالحلم إنما كانت تجري على لسان معاوية، ولم تجر بعده على لسان المروانيين حين تأسست الدولة الأموية، واستغنى القائمون بها عن مقابلة فضائل علي بن أبي طالب بفضائل «سياسية» يرجحون بها أنفسهم في ميزان الخصومة.
كان معاوية يقول: إذا لم يكن الأموي حليما، فقد فارق أصله وخالف آباءه ...
وكان يقول: «يا بني أمية! فارقوا قريشا بالحلم، فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية فيوسعني شتما وأوسعه حلما، فأرجع وهو لي صديق، إن استنجدته أنجدني وأثور به فيثور معي، وما وضع الحلم عن شريف شرفه، ولا زاده إلا كرما.»
وكان المتقربون إليه يذكرونه حلم أبي سفيان إذا أنكروا منه سورة النقمة والغضب، وقيل له بعد مقتل حجر بن عدي: أين غاب عنكم حلم أبي سفيان؟ فكان يقول: حيث غاب عني حلماء قومي، وحملني ابن سمية فاحتملت، وقال للسيدة عائشة حين سألته مثل هذا السؤال: لم يكن معي رشيد ...
ولا شك أن معاوية قد أقام فخره بالحلم على سمعة قديمة في بيته بين بيوت بني أمية؛ لأن هذا الفخر لا يخلق بين يوم وليلة في البلاد العربية، التي تذكر وراثاتها وتعيدها ولا تخاطب بها من يجهلها، ومن المشهور أن حرب بن أمية أصلح بين قريش وهوازن في حرب الفجار الثانية بعد اقتتال يسير، وأن ابنه سفيان كان يتأنى، ولا يتهجم في خصومات الجاهلية وخصومات الإسلام، ولا يمتنع مع هذا كله أن يكون الفخر بالحلم من دعايته السياسية عند تأسيس الدولة، والحاجة إليه في المفاضلة بين المتنازعين بمناقب الحكم والرئاسة، وقد سكت عنه الأمويون على عهد الفرع الآخر منهم وهو فرع المروانية؛ لأنهم لم يحتاجوا إليه في منازعاتهم، بل كان منهم من يفخر بالفتك، ويسرع إلى الغضب ويرهب المخالفين له بسرعة البادرة إليه.
صفحة غير معروفة