قال أبو حاتم، وحدوثونا عن أبي مخنف قال، حدثني عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال، دخلت على بن أبي طالب، ﵁، أسأل به لّما ضربه ابن ملجم، فقمت قائما، ولم أجلس لمكان ابنته، دخلت وهي مستترة، فدعا علي الحسن والحسين، رضوان الله عليهم، فقال: " أوصيكما بتقوى الله، ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا على شيء منها زوى عنكما، قولا الحق، وارحما اليتيم، وأَعينا الضائع، وأَضيفا الجائع، وكونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا، ولا تأخذكما في الله لومة لائم.
ثم نظر إلى ابن الحنفية، فقال: - هل فهمت ما أوصيت به أَخويك؟ قال: نعم.
قال: أوصيك بمثله، وأَوصيك بتوقير أخويك، وتزيين أمرهما، ولا تقطع أمرا دونهما.
وقال لها: أوصيكما به، فإنه شقيقكما، وابن أبيكما، وقد علمتما أن أباكما كان يحبّه، فأحبّاه.
وذكر آخرون عن إبراهيم بن أيوب الأسدي قال: حدثني عمرو بن شمر عن جابر الجعفيّ عن محمد بن عليّ قال: أوصى عليّ الحسن بن هلي ﵃، هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إل الله، وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرت، وأنا أول المسلمين.
وإني أوصيك يا حسن وجميع ولدي ومن بلغه هذا بتقوى الله ربَّكم، ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، فإني سمعت حبيبي رسول الله ﷺ يقول: صلاح ذات البين أفضل من عام الصيام والصلاة، انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهونّ عليكم الحساب، والله الله في الأيتام، فلا تغيّرنّ أفواههم بحضرتكم، والله، الله في الضَّعيفَّين، فإن آخر ما تكلم به رسول الله ﷺ أن قال: أوصيكم بالضعيفين خيرا.
والله، الله في القرآن فلا يسبقكم بالعمل به غيركم، والله، الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم، والله، الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم عنكم، والله الله في صيام رمضان فإن في صيامه جنَّة لكم من النار، والله، الله في الحج فإن بيت الله إذا خلا لم تناظروا، والله، الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معايشكم وأموالكم.
عليكم يا بنيّ بالبر والتواصل والتَّبارّ، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق، وتعاونوا على البّر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيَّكم، ﷺ.
حدثنا أبو حاتم قال: وأخبرونا أن ابن ملجم خطب امرأة، وكان عليّ بن أبي طالب ﵁ ذكروا أنه قتل أخاها، فقالت: - أتزوجك على ثلاثة آلاف، وعبد، وقينة، وقتل علي بن أبي طالب.
فقال: لك الثلاثة آلاف، والعبد، والقينة.
فأبى أن يقتل لها عليّا.
فقالت: والله، لا أُنكحك نفسي.
ثم جاد لها بعد بقتله.
فخرج، فضربه بسيفه في رأسه، فقتله، فقُتل.
ثم أتى به دار المرأة، فأشرفت وهم يحرقونه. فقالت:
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وقتل عليّ بالحسام المصمَّم
فلا مهرَ أَغلى من عليّ وإن غلا ... ولا فتك إِلاَّ دون فتك ابن مُلجم
قال: فلما غيَّبه الحسن بن علي، رضى الله عنهما، صعد المنبر، فجعل يريد الكلام، فتخنقه العبرة.
" قال رجل: فرأيته كذلك وأنا في أصل المنبر أنظر إليه، وكنت من أَنزر الناس دمعه، ما أقدر أن أبكي من شيء، فلما رأيت الحسن يريد الكلام، وتحنقه العبرة " صرت بعد من أغزر الناس دمعة، ما أشاء أن أبكي من شيء إلا بكيت.
قال: ثم إن الحسن انطلق، فقال، الحمد لله رب العالمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون، نحتسب عند الله مصابنا بأبينا رسول الله ﷺ، فإنا لن نصاب بمثله أبدا، ونحتسب عند الله مصابنا بخير الآباء بعد رسول الله ﷺ، ألا إنِّي لا أقول فيه الغداة إلا حقا، لقد أصيبت به البلاد والعباد والشجر والدواب، فرحم الله وجهه، وعذب قاتله.
ثم نزل، فقال: عليَّ بابن مُلجم.
فأتى به.
فإذا رجل واضح الجبين والثَّنايا، له شعر وارد " يعني طويلا " يخطر به حتى وقف، فلم يسلِّم.
فقال: يا عدوّ الله، قتلت أمير المؤمنين، وخير الناس بعد رسول الله ﷺ.
1 / 48