" اسمعوا ما أوصيكم به، لا يتَّكلنّ آخركم على فعال أوّلكم، فإن الذي يدرك به الأول حجة على الآخر، وانكحوا الكفيء من العرب فإنه عزّ حادث، وإذا حاربتم فأوقعوا، وقولوا واصدقوا، فإنه لا خير في الكذب، وصونوا الخيل فإنها حصون الرجال، وأطيلوا الرماح فإنها قرون الخيل، واغزوا الكثير بالكثير، وبذلك كنت أغلب، ولا تغزوا إلا بالعيون " يعني بالأشراف "، ولا تسرحوا حتى تأمنوا الصباح، وعجّلوا القرى فإن خيره أعجله، وأعظوا على حسب المال، فإنه أبقى لكم، ولا تحسدوا من ليس مثلكم، فإنما يحسد القوم أمثالهم، ولا تحكروا على الملوك فإن أيديهم أطول من أيديكم، ولا تأمنوا صرعات البغي، ونضحات الغدر، وفلتات المزاح، واقتلوا " كرز بن عامر " فإنه قتلني ".
فمات.
فقام عُيينة بالرياسة، وقتل كرزا، وأدرك النبي ﷺ، وكان من المؤلَّفة قلوبهم.
فقال النبي ﷺ فيما يذكرون: هذا الأحمق في دينه، المطاع في قومه.
قالوا: وأوصى مضرّس بن ربعيّ ابنه فقال: " يا بنيّ، إن الأسف مرض، والطمع لؤم، واليأس عجز، فاسل عما فات، واحرص فيما تستقبل، وفكِّر ثم قدِّر، ثم احضر ".
وقال:
لا تهلكنَّ النفَّس لوما وحسرة ... على الشَّيء سدَّاه لغيرك قادره
فلا تيأسا من صالح أن تناله ... وإن كان شيئا بين أيد تبادره
وما فات فاتركه إذا عزَّ واصطبر ... على الدَّهر إن دارت عليك دوائره
ولا تظلم المولى ولا تضع العصا ... على الجهل إن طارت عليك دوائره
قالوا: وأوصى أبو قيس بن صرمة فقال: " لا تنكلوا عن العدو، ولا تبخلوا عن الصديق، وجازوا ذا النعمة، وتمسّكوا بحرمة الجار، وتبادلوا، وقدّموا أهل العيّ، وأوفوا بالعهد، وإياكم والبغي، فإنه أقوى سلاح عدوكم ".
وأنشد:
يقول أبو قيس وأصبح غادبا ... ألا ما استطعتم من وصاني فافعلوا
أوصيكم بالله والبرِّ والتُّقى ... وأعراضكم، والبرُّ بالله أوَّل
وإن قومكم سادوا فلا تحسدوهم ... وإن كنتم أهل السَّيادة فاعدلوا
وإن نزلت إحدى الدَّواهي بقومكم ... فأنفسكم دون العشيرة فابذلوا
وإن طلبوا عرفا فلا تحرموهم ... وإن كان فضل العرف فيهم فافضلوا
وإن أنتم أعوزتم فتعفَّفوا ... وما حمَّلوكم في النَّوائب فاحملوا
قالوا: وأوصى الحارث بن الحكم آكل الذراع بنيه، فقال: " يا بنيّ، لا تبكوا على الزمان فإنه لا يزداد على رجل على السن من أهله قربا إلا ازدادوا منه بعدا، استأنوا العشيرة، ولا تمشوا بينها بالنميمة، وكونوا لقومكم أتباعا، وإيّاكم والبغي، فإنه آخر مدة القوم، وجازوا بالحسنة، ولا تكافئوا بالسيئة ولا تردّوا الكرامة، ولا تبغوا، غنيتم وبقيتم " قوله هذا دعاء لهم ".
قالوا: لما حضر الحطيئة الوفاة قيل له، أوصِه.
قال: ويل للشِّعر من راوية السوء.
قيل: أوصه.
قال: أخبروا آل شمَّاخ بن ضرار أنه أشعر العرب.
قالوا: أوصه.
قال: بماذا؟ قالوا: في مالك، فإنه كثير.
قال: هو لذكور ولدي دون النساء.
قالوا: ليس كذلك قال الله ﷿.
قال: لكن أنا أقوله.
قالوا: أوصه.
قال: بماذا؟ قالوا: عبدك هذا قد طالت صحبته.
قال: اشهدوا أنه عبد ما بقى على الأرض عبسيٌّ.
ثم قال: احملوني على حمار، فإنه بلغني أن الكريم لا يموت على حمار.
فحمل عليه، فمات.
وصية قيس بن عاصم المنقريّ بنيه، قال: " أوصيكم بتقوى الله ﷿، وسوِّدوا أكبركم، فإن القوم إذا سوَّدوا أكبرهم لم يفقدوا أباهم، وضعوا كرائمكم في أعقابكم، وتزوّجوا في مثل ذلك، فإنكم إذا فعلتم مثل ذلك خلفتم أباكم، وعليكم بطلب المال واصطناعه، فإن المال منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الرجال، فإنها آخر كسب المرء، ولا يعلمنّ بمدفني بكر بن وائل، فإني كنت أغاورهم في الجاهلية، وكانت بيني وبينهم خماشات، فأخاف أن يفتنوكم في دينكم، أو يدخلوا عليكم غضاضة، ولا تنوحوا عليّ، فإن رسول الله ﷺ لم سنح عليه ".
قالوا: وأوصى عوف بن كنانة الكلبيّ بنيه، فقال:
1 / 42