أكلت شبابي فأفنيته ... وأمضيت بعد دهور دهورا
ثلاثة أهلين صاحبتهم ... فبادوا وأصبحت شيخا كبيرا
قليل الطَّعام، عسير القيا ... م، قد ترك الدَّهر قيدي قصيرا
أبيت أراعي نجوم السَّما ... ءِ، أقلِّب أمري، بطونا ظهورا
قالوا: وأوصي عمرو بن الغوث بن طيء ولده، وهم: ثعل، ونبهان، وبنوهم؛ وكان عمرو قد عاش حتى كبر ولده، فقال: " يا بني، إنكم قد حللتم محلاّ تخرجون منه ولا يدخل عليكم فيه، فارعوا مرعى الضَّبّ الأعور، يرى جحره، ويعرف قدره، ولا تكونوا كالجراد، يأكل ما وجد ويأكله ما وجده؛ وإيّاكم والبغي، فإن الله إذا أراد هلاك النملة جعل لها جناحين؛ يا بني، لا تستحيوا من منع من لا يستحي من المسألة، وكلوا من الكعام وأطعموه، ولا يستحي أحدكم أن يفعل شيئا ينتفع به إذا لم يعرف، فإنه إنما يستحي حينئذ لغيره، وابدءوا الناس بالشر فإنه أشكر لخيركم وإن كان قليلا، ولا تمنعكم الكثرة أن تربعوا على أقداركم، والله يحوطكم ".
قالوا: وأوصي قيس بن معد يكرب ولده، فقال: " باسمك اللهم، احفظوا أدبي يكفكم، واتَّبعوا وصاتي تلحقوا بصالح قومكم ويستعل أمركم، إنِّي أكلكم إلى أدبي، وإن المعنيّ بكم لغائب " يعني نفسه "، الزموا ما يجمل، واقنوا حياءكم، وأطيعوا ذوي رأيكم، وأجلُّوا ذوي أسنانكم، ولا تعطوا الدنّية، وإن كان الصبر على خطَّة الضَّيم أبقي لكم، وتناصروا تكونوا حمى، وإذا نزلتم على قومكم فلتكن محلّتكم واحدة، واهدروا الحسد يقطع عنكم النائرة، ودعوا المكافأة بالشر يحببكم الناس، وعفّوا عن الدناءة وأكرموا أهل الكفاءة، ولا تواكلوا الترافد والرياسة فيحلّ عطبكم، واتخذوا لأسراركم من علانيتكم حجابا، ولا تدبروا أعجاز ما قد أدبرت صدوره، ولا تقيَّلوا الرأي بالظن فيبدع بكم، والزموا الأناة يفز قدحكم، وأطيلوا الصمت إلا فيما يعنيكم، ولا تأخذوا ختلا، وخذوا صراحا، فهناك عزّ القرار، ومنعة الجار، واظعنوا في الأرض تبلغوا مأمنكم، ولا تعرضوا لنمائم النساء، وإياكم والغدر فإنه أحلَّني دار الغربة، واعتبروا ".
قالوا: وجمع أود بن صعب بن سعد بنيه، فقال: " يا بني، أخيفوا الناس ولا تخافوهم، واستخبروهم، ولا تخبروهم، وبئس موضع السر المرأة، وكونوا من الموتورين على حذر، وإذا دفعتم عن حقكم فاطلبوا أكثر منه، وإذا بخع لكم فاقتصروا عليه ".
قالوا: وأوصى عبقر بن أنمار البجليّ فقال: " يا بني، إذا غدوتم فبكِّروا، وإذا رحتم فهجِّروا، وإذا أكلتم فأوتروا، وإذا شربتم فأنبروا، وأبيحوا ما يؤكل فإن منعه ألأمُ اللُّؤم ".
" قال أبو حاتم: النبز الهمز، وإنما شّبهه بالصوت الذي تسمعه من الحلق إذا جرى الماء فيه ".
قالوا: وجمع صعب بن سعد بنيه عند موته، فقال: " يا بني، أوسعوا الحبا، وحلُّوا الربا، وكونوا أسى تكونوا حمى ".
" قال أبو حاتم، يقول، إذا احتبى أحدكم فليوسع الحبوة ولا ينقبض، أراد لتعظم همة أحدكم ولا تصغر؛ وقوله، وحلوا الربا، يعني، انزلوا المرتفعات من الأرض لترى نيرانكم فتقصدكم الأضياف، وقوله، وكونوا أسى، أي لتكن كلمتكم واحدة، وهو من الأسوة، أي لا تختلفوا، فيطمع فيكم أعداؤكم، ولكن، كونوا أسوة، بعضكم بعضا، تكونوا حمى، أي حرزا، لا يطمع فيكم ".
قالوا: وأوصى مالك بن عمرو الكلبيّ فقال: " يا بنيّ، عليكم بتقوى الله، وصلة الرَّحم، وأداء الأمانة، ورعاية الحق، والوفاء بالعهد، وإياكم ومعصية الله وقطيعة الرحم، فإنه لا يسلم على الضغائن الكبير، ولا يصلح عليها الصغير، وصونوا أنفسكم بالدَّعة وبذل المعروف، وكفُّوها عن سوء الرَّعة في الأمور، وإن أقبح ذلك ما كان في المطمع؛ واهجروا البغي فإنه مثبور، وتجنّبوا العجب فإنه ممقتة، ولا تقصروا عن طاعة أمرائكم، ولا توجهوا الأمور دونهم، فإنهم إن يشاركوكم فيها يكمل رأيكم، والتمسوا المحامد في مظانَّها، ولا يمنعكم من طلب المعاش اليأس، فإن أبواببه أكثر من أن يبلغها الظانُّ، استكثروا من الإبل يكثر تبعكم، ولا تضيعوا رباطكم فيهدم حصنكم، وإذا لقيتم العدو فاصبروأ، فإن في الصبر النجاة والدَّرك للتراث، وألزموا النساء البيوت، وخافوهنّ على أسراركم، واجتمعوا ولا تفرقوا، واحذروا الغدر فإنه نقمة، وليحيكم ربُّكم ".
1 / 39