فلم أَكُ نأنأ أُمَّ عَمرو ... إِذا نزلت بساحتي الأمور
قالوا: وعاش المجزم بن بكر بن عمرو بن عباد بن الارث بن سامة بن لؤي دهرا طويلا، وكان من دعاميص العرب، أي يهتدي للأمور الخفية الدقيقة ويحتال لها.
وقال باعث بن حويص بن زيد بن عمرو الطائيّ:
أَلا ليتني عُمرتُ يا أُمَّ حشرجكعمرِ أَخي نجران أَو عُمرِ مجزمِلقد عُمِّرا دهريهما في ربيلةوفي ظل عيش من لبوس ومطعم
وأَفناهما دهر طويل فأَصبحنا ... أَحاديث طسم أَو أَحاديث جُرهُم
حدثنا أبو حاتم قال، وذكر الكلبي عن رجل من قريش قال، كان رجل من بني عذرة قد طال عمره حتى كبر ابن ابن له، وكان عالما بقومه، وكان يُغشى للطعام والعلم؛ فشكا الدهر وتصرفه.
فقال له ابن ابنته: كم أتى لك يا جد؟ قال: لا أَحقُّ ذلك يا بني، ولكني عققت عن أبيك وأنا ابن ثلاث وتسعين، وعاش أبوك خمسا وثمانين، وقد مات منذ ثمانين.
فقال: لقد شكوت الدهر وما كان ينبغي لك أن تشكوه وقد بلغت هذا السن.
وأنشأ ابن ابنته يقول:
إن تكُ قد بليت فبعد قوم ... طوال العمر قد بادوا يقينا
فزادك في حياتك لا تضعه ... كأنَّك عند موتك قد أُتينا
فإنَّك إذا خلقت عبدا ... إلى أَجل تجيب إذا دُعيتا
مقدَّرة بعيشتك الليالي ... إذا وفِّيت عدَّتها فنيتا
كأَنَّك والخطوب لها سهام ... مقدَّرة بسهمك قد رميتا
أخبرنا أبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزَّاني قال، أخبرنا أبو حاتم قال، قال هشام، حدثنا بكار بن نافع اللؤلؤيّ قال، قال نصر بن الحجاج بن علاط السُّلميّ لمعاوية بن أبي سفيان ﵁:
إذا مت مات الجود وانقطع النَّدى ... من النَّاس إلا من قليل مصرَّدِ
وجفت أكف السائلين وأَمسكوا ... من الدِّنِ والدنيا بخلف مجدَّدِ
فلما سمع معاوية الشعر قال لابنه قرظة، وهي تبكي، اسمعي إلى مرثيتي وأنا حيّ قالوا: وعاش صَرم، ويقال صَومُ، بن مالك الحضرميّ قريبا من مائتي سنة فيما ذكروا عن سعيد بن عبد الجبار بن وائل الحضرمي.
وقال:
إن أَمسِ كلاَّ لا أُطاع فربما ... سُقت الكتائب مشرقا أَو مغربا
ولرُبَّ كبش كتيبة لا قيته ... فطعنته حتَّى أُوارى الثَّعلبا
أَجرزته رمحي فخرَّ لوجهه ... ما إن يجيب إذا دعا المستصحبا
في فتية من حضرموت أَعزَّة ... لا ينكلون إذا المنادي ثوِّبا
قال أبو حاتم، قال خالد بن سعيد عن أبيه قال، دخل أَدهم بن محرز الباهليّ أبو مالك بن أدهم على عبد الملك ورأسه كالثَّغامة، فقال، لو غيَّرت هذا الشَّيب.
فذهب فاختضب بسواد، ثم دخل عليه فقال: يا أمير المؤمنين، قد قلت بيتا لم أقل بيتا قبله، ولا أراني أقول بعده.
قال: هات.
فأنشأ يقول:
ولمَّا رأَيتُ الشيب شينا لأهله ... تفتَّيتُ وابتعت الشَّباب بدرهم
قال أبو حاتم، وذكروا عن أبي مسكين قال: عُمِّر رجل من بليّ، يقال له النعمان، دهرا، فقال:
تهدَّلت العينان بعد طلاوة ... وبعد رضى، فأحسب الشَّخص راكبا
وأبعد ما أنكرت كي أستبينه ... فأعرفه وأنكر المتقاربا
حدثنا أبو حاتم قال، قال هشام وأخبرني غير واحد من تميم قالوا: كانت الإتاوة من مضر في الكبر والقعدد في النسب، فصارت إلى بني عمرو بن تميم، فزليها ربيعة بن عزيّ بن بزيّ الأسيديّ حتى جبي إتاوة مضر، فطال عمره، وهو أبو الحفّاد، وهو القائل: يا أبا الحفَّاد أفناك الكبر والإتاوة خراج كان عليهم.
قال: وقال أبو الحسن المدائني، أنشدني أبو الشَّمَّاخ بن الشِّمراخ الطائيّ:
ما بال شيخ قد تخدَّد لحمه ... أبلي ثلاث عمائم ألوانا
سوداء داجية وسحق مفوِّف ... وأجدَّ لونا بعد هجانا
ثمَّ الممات بعد ذلك كلِّه ... وكأنَّما يعني بذاك سوانا
قال: وكانت العمامة تلبس أربعين سنة فكأنه عاش عشرين سنة ومائة سنة.
1 / 32