فاكتفى منى يا نفس بحقيقة ما قد أوردته لك، واعلمى أن جميع ما أنت مشاهدة له فى عالم الكون والفساد من الصور والصنع إنما هى تمثيلات وتشكيلات معان هى فى عالم العقل بالحقيقة غير زائلة ولا بائدة. وما فى العالم الروحانى فملاحظته بالمشاهدة العقلية. فيجب على كل روحانى وجسمانى عند بلوغه الكون الجزئى أن يتيقن بالعقل أنه حقيقة غير زائلة. وإنما يصور العقل ذاته لذاته فى الهيولى، ثم ينظر بذاته إلى معانى ذاته وصورها فيلتذ بذلك إعجابا منه بذاته، إذ اللذة العقلية هى مما يناله العقل من ذاته بذاته لا بشىء خارج عنه، ولا بعرض عارض بل من ذاته لذاته. وهذه هى اللذة الحق الدائمة الأبدية.
يا نفس! تيقنى واقتنى معرفة الأشياء بآنياتها وماهياتها ولا تحتفلى بمعرفة كيفياتها وكمياتها، لأن المطلبين الأولين بسيطان أزليان ولا وسيط بين النفس وبينهما، وأن المطلبين الآخرين مركبان زائلان زمانيان مكانيان. واعلمى يا نفس أن علم التركيب لن ينفصل معك مجردا محمولا فى ذاتك عند مفارقتك الحس. فخذى علم البسيط، وذرى علم المركب.
صفحة ٥٧